عيد سعيد

عيد سعيد

جابر, معين, وفراج أصدقاء مخلصون يقضون أكثر أوقاتهم معًا, يدرسون العلم, أو يقرأون القرآن, أو يذكرون الله, فإذا جاء المساء عاد كل منهم إلى داره سعيدًا, مملوء القلب بالرضى والثقة والطمأنينة. فلما كان اليوم الأخير من رمضان, عاد جابر إلى داره قبيل الغروب, وجلس يذكر الله راضيًا, طيب النفس في انتظار موعد الإفطار, فبينما هو كذلك, إذ سمع طرقًا على الباب, فقام ليفتح, فإذا صديقه معين, قد جاء يقترض منه بعض المال ليشتري حاجات العيد. ولم يكن جابر يملك إلا كيسًا فيه مائة درهم, فدفعه إلى صاحبه كاملاً, ولم يبق لنفسه درهمًا, فأخذ معين الكيس ومضى.

ولاحظت زوجة جابر ما فعله زوجها, فقالت له غاضبة: لقد أعطيته كل ما كان معك, فمن أين تشتري لنا حاجات العيد? أجابها زوجها في ضجر وضيق: وهل كنت تظنين أن يطلب صديقي مني قرضا ولا أعطيه? فدعي الأمر لله يدبّره بحكمته! ثم لم يكد يتناول إفطاره حتى أسرع إلى المسجد للصلاة, فالتقى بصديقه فراج, فقال له: إن كان عندك يا فراج فضلة من المال فأقرضني إياها, لأشتري منها حاجات العيد. قال فراج: حبّا وكرامة يا صديقي, فانتظرني في دارك حتى أحضر إليك! فلما انقضت الصلاة, عاد جابر إلى داره, وجلس في انتظار حضور صديقه فراج, وفاء لوعده, فما هي إلا لحظات, حتى سمع طرقًا على الباب, فقام ليفتح, فإذا رسول من صديقه يدفع إليه كيسًا مختومًا ويقول له: هذه أمانة أرسلني بها إليك فراج, ويعتذر عن عدم استطاعته الحضور بنفسه! حمل جابر الكيس ودخل داره, فلم يكد يراه في نور مصباح البيت حتى دهش دهشة عظيمة, فقد كان هو الكيس نفسه الذي دفعه إلى صديقه معين قبيل الغروب, وزادت دهشته حين رأى الكيس بحاله وختمه, كأنه لم يُمسّ, فأدرك أن في الأمر سرّا, وخشي أن يكون لص خبيث قد سطا على صديقه معين, وسرق منه الكيس, ولكن السؤال الذي كان يحيّره, هو: كيف وصل الكيس إلى فراج, وقد دفعه بيده منذ ساعات إلى صديقه معين? لم يستطع جابر أن يفكر في الأمر طويلاً, فلبس ثيابه, وأسرع إلى دار معين يستوضحه الأمر.

وكان معين قد أطفأ سراجه ونام, فطرق جابر عليه بابه فأيقظه, ثم سأله بلهفة: أين الكيس الذي دفعته إليك قبيل الغروب? فارتبك معين, وظن أن صديقه لم يحضر في تلك الساعة, ويسأله عن الكيس بهذه اللهفة, إلا ليسترد المال لحاجته إليه, ولحظ جابر ارتباكه, فوضع يده على كتفه وهو يقول في غيظ وحنق: أصدقني? هل سرقه لص?

وأبطأ معين في الجواب وهو في حيرة من أمره, فأخرج جابر الكيس من جيبه وسأله: أليس هذا هو الكيس الذي كان معك? فلم يكد معين يراه حتى قال بلهفة مثل لهفة جابر: أخبرني كيف وصل إليك? هل سقط من فراج في الطريق? قال جابر وهو لم يزل في حيرته: وكيف يسقط من فراج وقد كان معك? قال معين وقد عاد إليه بعض الهدوء: معذرة إليك ياصديقي, فإني لم أكد أتسلم منك الكيس وأحضر إلى داري, حتى طرق علي الباب صديقي فراج, يطلب إليّ أن أقرضه بعض المال لنفقة العيد, ولم يكن معي إلا هذا الكيس الذي أقرضتني إياه, فدفعته إليه بحاله, وصبرت على ما بي من الحاجة, ولكن أخبرني كيف عاد الكيس إلى يدك, وقد كان صديقي فراج في أشد الحاجة إليه? قال جابر وعلى شفتيه ابتسامة سلام وطمأنينة: وكذلك كانت حالي, فقد كنت في حاجة إلى نفقة العيد, ولم أكن أملك إلا ذلك الكيس, فلما دفعته إليك, قصدت إلى صديقي فراج لأقترض منه بعض ما أحتاج إليه, فرد إلي الكيس بختمه, وآثرني على نفسه, كما آثرته أنت على نفسك! قال معين ضاحكا: بل قل كما آثرتنا أنت على نفسك! فالحمدلله الذي جمعنا على هذا الإخلاص والإيثار والرحمة! ثم سار جابر ومعين إلى دار صديقهما فراج وكان قد أطفأ سراجه كذلك ونام, فطرقا الباب وأيقظاه وقصّا عليه القصة, ثم اقتسموا ما في الكيس, فأخذ كل منهم حاجته من الدراهم لنفقة العيد, وكان عيدًا سعيدًا على الأصدقاء الثلاثة! وسمع أمير المدينة بقصة هؤلاء الأصدقاء الصادقين, فقال لمن حوله: والله إنه لمن العار أن يعيش في مدينتي مثل هؤلاء الفضلاء الكرام, مضيقًا عليهم في الرزق, فليكن لهم من بيت المال رزق مرتب يدفع لهم في كل شهر, ليعيشوا به في سعة ورخاء وسعادة, ولتكتب قصتهم هذه وتُنشر في الآفاق, ليتعلم الناس منها دروس الإيثار والوفاء والصداقة الصادقة!

 


 

عبد العزيز تاعب