اَلْحُلْمُ الْجَميلُ الإمارَات

اَلْحُلْمُ الْجَميلُ الإمارَات

ويصورها: فهد الكوح

ألقَيْتُ بِجِسْمي عَلى السَّريرِ الوَثيرِ, وأنا أُمَنِّي نَفْسِي بِنَوْمَةِ هَادِئَةٍ. لَمْ تَمْضِ إلاَّ لَحَظاتٌ قَليلَةٌ حَتَّى أَحْسَسْتُ بِراحَةٍ تامَّةٍ, فأَغْمَضْتُ عَيْنَيَّ, عَلَّني أُسافِرُ ككُلِّ لَيْلَةٍ, إلى عَالَمٍ مِنَ الأَحْلامِ الجميلَةِ.

ولا أكْتُمُكُمْ سِرَّا, يا أَصْدقَائي الظُّرَفاءَ, إذا قُلْتُ إنَّني ذُهِلْتُ, حينما تَراءى لي صَقْرٌ كَبيرٌ في الفَضاءِ الفَسيحِ, يَدورُ, يَدورُ بِسُرْعَةٍ فَائقَةٍ, كَمِروْحةٍ كَهْرَبائِيَّةٍ...

وفي لَمْحِ البَصَرِ, نَزَلَ بالقُرْبِ مِنِّي, وأنا أشْعُرُ بالثِّقَةِ والطُّمَأنينَةِ تَمْلآنِ فُؤادي:

- مَساءٌ سَعيدٌ, صَديقي سامي!

حَيَّاني الصَّقْرُ بابْتسامَةٍ, فأَجَبْتُهُ بالتَّحِيَّةِ نَفْسِها:

- مَساءٌ سَعيدٌ, صديقي الصَّقْرَ!... يَبْدو أنَّكَ مِنْ بَلَدٍ بَعيدٍ, قَطَعْتَ مَسافاتٍ طَويلَةً في طَريقِكَ إلى هُنا!

- أَجَلْ, أَمَرَنِي أخوكَ الطِّفْلُ الإمَارَاتِيُّ سالِم بأَنْ أَحْضُرَ إلى بَلَدِكَ, لآخُذَكَ مَعي إلى دَولةٍ تَقْضي فيها اللَّيْلَةَ...!

سَأَلْتُهُ في دَهْشَةٍ:

- ألا قُلْ لي, يا صَديقي الصَّقْرَ: ما الدَّاعي إلى هَذِهِ الرِّحْلَةِ, وفي هَذِهِ اللَّيْلَةِ بالذَّاتِ?!

- إنَّ دَوْلَتنا تَحْتَفِلُ كُلَّ عامٍ في الثَّانِي مِنْ ديسمبر بعيدِ ميلادِها!

سأَلْتُهُ في سُرُورٍ:

- أَحَقّا ما تَقولُ يا هَذا??

- طَبْعًا, وإلا لِماذَا ألَحَّ عَليَّ سالم أنْ أحْمِلَكَ على ظَهْرِي إلى هُنَاكَ?!

لَمْ أشْعُرْ بِنَفْسي التَّوَّاقَةِ إلى السَّفَرِ, إلاّ وأنا أمْتَطِيهِ قائلاً:

- إذنْ, لِتَطِرْ حالاً على جَناحي السَّلامَةِ إلى الإماراتِ, نَزرْها ونَسْمُرْ مَعَ سالم...!

- هَيَّا, يا سامي...امْتَطِ ظَهْرِي بِخِفَّةٍ!

حَرَّكَ الصَّقْرُ جَنَاحَيْهِ الكبيرَيْنِ, ثُمَّ حَلَّقَ في الفَضاءِ البعيدِ, البعيدِ...يَخْتَرِق الغَمائِمَ الرَّمادِيَّةَ, يَتَحَدَّى الريحَ, كأَنَّهُ مَرْكَبَةٌ فَضائِيَّةٌ أو طائِرَةٌ نَفَّاثَةٌ!...يا لَها مِنْ مَناظِرَ خَلاَّبَةٍ, جَذَّابَةٍ, تَسْحَرُ عَيْنَيَّ, تَسْتَحْوِذُ عَلى عَقْلي!

- خَبِّرْني, يا صديقي الصَّقْرَ: ما هَذِهِ الأضْواءُ التي تتلألأُ تَحْتنا?!

سأََلْتُهُ مُتَعَجِّبًا, فأجابَني:

- إنَّها أضْواءُ الفَرْحَةِ, أضْواءُ العيد السَّعيدِ تُضْفي الجَمالَ والفِتْنَةَ على إماراتِنا السَّبْعِ: أبوظَبْي, دُبيْ, الشَّارِقَةُ, عَجْمانُ, أُمُّ القيوين, رأسُ الخَيْمَةِ, الفُجَيْرَةُ.

- وأَيْنَ سَتَنْزِلُ بي لألْتَقيَ بِصديقي?

أشارَ الصَّقْرُ بأُصْبُعِهِ قائِلاً:

- هُناكَ في (أبي ظَبْيٍ) عاصِمَةِ الدَّوْلَةِ!...أُنْظُرْ إنَّهُ صَديقُكَ سالمٌ, يَنْتَظِرُكَ عَلَى سَطْحِ مَنْزِلِهِ...!

شَخَصْتُ بِعيْنيَّ إلى أسْفَلَ, إذا بسالِمٍ يُلَوِّحُ لي بِيَدَيْهِ:

- حَقًا, إنَّهُ سالم, يَنْتَظِرُني!

وبِخِفَّةٍ, نَزَلَ بي الصَّقْرُ, فأَقْبَلَ عَلَيَّ سالمٌ فَرِحًا يُعانِقُني, يَضُمُّني إلى حُضْنِهِ الأَخَويّ الدَّافئ كأَنَّنا صديقانِ حَميمانِ مُنْذُ أَمَدٍ طويلٍ:

- مَرْحَبًا بِصديقي المَغْرِبيِّ سامي!...مَرْحبا بِكَ في دَولَتِنا الحبيبَةِ, وهي تَحْتَفِلُ بِذِكْرى تَأْسيسِها سَنَةَ 1971.

- شُكْرًا جزيلاً...! نَحْنُ أيْضًا, أَنْشأْنا (اتِّحَادَ المَغْرِبِ العَرَبِيِّ) وسأدْعوكَ إلى زيارَتِنا قريبًا, تُشاطِرُنَا فَرْحَتَنا!

- بِكُلِّ سُرورٍ, سأُلَبِّي دَعْوَتَكَ هَذِهِ! هَيَّا مَعِي الآنَ, تَرَ بِعَيْنَيْكَ نَهْضَتَنا, لا كما قَرَأْتَ أوْ حَكُوا لَكَ...!

قاطَعْتهُ مُتَسائِلاً:

- قَبْلَ أنْ أَطِّلِعَ عَلى هَذِهِ النَّهْضَةِ, حَدِّثْني عَنْ دَولَتِكَ!

- تَقَعُ جَنوبَ شَرْقِ الجزيرَةِ العَرَبِيَّةِ, تَمْتَدُّ مِنْ خَليجِ وسَلطَنَةِ عُمانَ شَرْقًا إلى قَطَر غرْبًا, وتُحَدُّ بالخليجِ العَرَبِيِّ وقَطَر والسَّعوديَّةِ. وخَليجِ عُمانَ. تَبْلُغُ مساحَتُها 77.000 كلم مرّبّعٍ. وتبدأ حُدودُها مِنْ إمارَةِ أبي ظَبْيٍ عَلى السِّاحِلِ الجَنوبِيِّ الغَرْبِيِّ مَسافَةَ سَبْعةِ كيلومِتْراتٍ إلى المَنطِقَةِ الشَّرْقِيَّةِ, عَبْر إمارَةِ الفُجَيْرَةِ الّتي تَمْتَدُّ تِسْعِينَ كيلومِتْرًا عَلى خليجِ عُمانَ. وتَدُلُّ آثارُها على أنَّ أرْضَها الطِّيِّبَةَ, كانَتْ مُلْتَقَى تِجارِيًّا بَيْنَ الشَّرْقِ الأوْسَطِ وشِبْهِ القارَّةِ الهِنْدِيَّةِ, مُنْذُ 2500 سَنةٍ قبلَ الميلادِ!

إنَّ الفضْلَ في نَهْضةِ دوْلتِنا, يَعودُ إلى الإنسانِ الإماراتيّ الذي خطّطَ لَها, فاسْتغلَّ العائدِ النِّفْطيّ في تَطويرِ الصناعَةِ والفلاحَةِ والخِدمةِ المصرفيَّة. وتشييدِ مَطاراتٍ دولِيَّةٍ, وأكبَرِ الموانئ لِشَحْنِ البضائِعِ إلى كُلِّ أجْزاءِ الجزيرَةِ العَرَبيَّة وإيرانَ عَبْرَ الخليجِ.

سألْتُ صديقي سالمًا:

- ولَكِنْ, قبلَ هذِهِ الحِقْبَةِ, كَيْفَ كانَ اقْتصادُكُمْ?

- إلى نِهايَةِ الخَمسينياتِ, كان اقْتِصادُنا يَرْتكِزُ على الزِّراعَةِ, التِّجارَةِ, الثَّرواتِ البَحْرِيَّةِ مِنْ سَمكٍ ولُؤلؤٍ وعلى بَعْضِ الحِرَفِ التَّقْليديَّةِ.

وفي الحاضِرِ نِجِدُ أراضيَ زراعيِّةً, آبارًا وسُدودًا, مِضَخَّاتٍ مائيَّةً, عِياداتٍ بَيْطَريَّةً. وبالنِّسْبَةِ للصِّناعَةِ, هُناكَ النَّسيجُ, الملابِسُ, الأثَاثُ, الموادُّ الغِذائيَّةُ, الأدواتُ الكَهْرَبائيَّةُ, السُّفُنُ...

كما أنشأْنا مُؤسَّساتٍ اجْتِماعيّةً, كَدورِ المعاقينَ والمُسنِّينَ, وجَمْعِيّاتٍ نسائيَّةٍ وشَبابيَّةً, تَنْشُرُ الوَعْيَ الثقافيّ والصِّحِيّ, وجَمعياتٍ للفنونِ الشَّعْبيّةِ والمَسْرَحيَّةِ والرِّياضيَّةِ, يَستثْمِرُ فيها الجيلُ الصَّاعدُ فراغَهُ, ويُمارسُ رياضاتٍ تُراثيَّةً, كَسباقاتِ قوارِبِ التَجْذيفِ, وسِباقاتِ الهَجْنِ العَرَبِيَّةِ والفُروسيَّةِ لِقَفْز الحواجِزِ.

كُنْتُ أُصْغي إلى سالم, وأنا أُشاهِدُ في الحينِ نَفْسِهِ, ما تَزْخَرُ بِهِ هَذِهِ الدَّوْلَةُ العظيمةُ مِنْ مُنْشآتٍ صناعيَّةٍ وفلاحيَّةٍ وعُمْرانيَّةٍ, تُبْهِرُ النَّاظرَ!

وكُنْتُ أُريدُ أنْ أقْضِيَ اللّيْلَةَ كُلُّها صُحْبَةَ سالم, لَكِنَّ جَرَسَ السَّاعَةِ المُنَبِّهَة صَكَّ أُذُنَيَّ بِرَنينِهِ القوِيِّ, فَتَخلّيْتُ عَنْ حُلُمِي الجميلِ, ونَهَضْتُ مِنْ نَوْمي لأذْهَبَ إلى المَدْرَسَةِ!

في الفَصْلِ الدِّراسيِّ, حَكَيْتُ لِمُعَلِّمي كُلِّ ما تراءى لي في الحُلْمِ, مِنْ مَناظِرَ ومُنشآتٍ, فقال باسِمًا:

- ما حَكَيْتَ, يا سامي, لَيسَ حُلْمًا, إنَّهُ حقيقَةٌ كأنَّكَ شاهَدتَهُ بِعَيْنَيْكَ!

لَوْ لَمْ أرَكَ أمْسِ, لَقُلْتُ إنَّكَ, فِعْلاً, سافَرْتَ إلى هذه الدَّولَةِ...!

 


 

العربي بن جلون

 










المباني العصرية مصممة كأشرعة السفن التقليدية





جولة على شاطيء الخليج العربي





الدلة والقهوة والضيافة





من المساجد الحديثة





ركوب الجمل رياضة يعشقها الصغار





الأزياء الشعبية لدولة الامارات





إحدى قلاع مدينة العين





مكتبة الشارقة





أعلام دولة الامارات ترفرف فوق السفن العتيقة