قدوتي العلمية

قدوتي العلمية

رسوم: ممدوح طلعت

أرشميدس يوركا.. يوركا

(كل شيء جاد.. يبدأ بلعبة صغيرة).

هكذا ردد الصغير (أرشميدس) لزملائه, وسرعان ما تدخل أحدهم معلقًا:

(لكن أبي علمني أن اللعب خطأ.. وأن الجد جد.. واللعب لعب).

وكأن الصغير يتوقع مثل هذا التعليق, وكانت الإجابة جاهزة:

هناك فرق بين اللعب.. والهزل.. الهزل مرتبط بالاستهتار, والإهمال.. أما اللعب.فهو التعامل مع كل شيء بسعادة, وبهجة. ودار الحوار الطويل بين الأصدقاء الصغار.. في تلك الأمسية التي على صديقهم (أرشميدس) أن يغادر فيها مدينته (سيراقوزة) بجزيرة صقلية, وأن يسافر مع والده, صباح الغد إلى مدينة (الإسكندرية), منارة العلم في ذلك العصر.

حدث هذا في عام 277 قبل الميلاد.

كان الصغير في العاشرة من العمر, لقد تربى في المدينة, لكن أباه, العالم الفلكي (قيدياس اليوناني), صدرت إليه الأوامر بالسفر إلى الإسكندرية.

وفي اليوم التالي, رحلت الأسرة.

وبعد عدة أشهر, التحق الصغير (أرشميدس) بالمدرسة الرياضية الشهيرة بالإسكندرية, التي كانت تضم أكبر مكتبة, ومدرسة للعلوم في العالم.

وتتلمذ الصغير على أيدي كبار الأساتذة.

أساتذة في الفلسفة, والرياضيات, مثل (أقليدس).

وأساتذة آخرين في أفرع العلوم المختلفة.

ورغم أن (أرشميدس) صار كبيرًا, إلا أنه لم يفقد روح الطفولة أبدًا, فكان خفيف الظل, يتعامل مع كل شيء على أنه لعبة, حتى الفلسفة بالغة الصعوبة.

وأقر الأساتذة أن (أرشميدس) يستفيد كثيرًا من ذكائه, بدليل ما حدث في حوض الاستحمام في منزله.

فكم من آلاف الأشخاص تمددوا في مثل هذه الأحواض, لكنهم لم يتوصلوا إلى نظرية أرشميدس.

حدث ذلك, حين قرر الاستحمام.

كان كل همه وهو يضع قدمه في الحوض المليء بالمياه, أن يجد تفسيرًا للغز حيره كثيرًا.

فقد طلب منه الملك (هيبرون), أن يكتشف له إذا كان الجواهرجي الذي صنع تاج الملك قد صنعه من الذهب الخالص أم لا.

كان السؤال هو: ترى كيف سأعرف الذهب الخالص, من الذهب المغشوش!

لكن فجأة, وهو ينزل جسمه في الحوض, أحس أن جسمه صار خفيفًا.

وما إن غاص بالجسم في الماء, حتى طفا بعض الماء, وأغرق الأرض المحيطة بالحوض, وبكل ما لديه من قوة, قام من مكانه, وخرج إلى الشارع, وهو يجري, ناحية قصر الملك, ويصيح:

- يوركا.. يوركا.

رآه أطفال يصيح, قال أحدهم لزميله: ترى ماذا يعني بهذه الكلمة (وجدتها.. وجدتها).

وفجأة تنبه العالم إلى أنه يجب ألا يجري في الشارع بمثل هذه الشاكلة.. فأخذ يضحك وهو عائد إلى منزله.

وفي المنزل, وضع أول نظرية للطفو في العالم.

(كل جسم إذا غمس في سائل, يتلقى دفعة عمودية من أسفل إلى أعلى, توازي ما شغله مكانه من السائل).

واكتشف (أرشميدس) أن الخشب يطفو فوق سطح الماء لأن كثافته أقل من كثافة الماء, وأن الذهب يغوص في الأعماق, لأنه ثقيل.

واستطاع بعد أيام أن يحل مشكلة التاج الملكي المصنوع من الذهب.

فقد تمكن عن طريق (قانون الطفو) من أن يميز الذهب الأصلي, من المزيف.

وفرح الملك حين عرف أن الجواهرجي تاجر أمين, وأن التاج مصنوع كله من الذهب النقي, وأمر بمكافأة للعالم (أرشميدس).

إلا أن (أرشميدس) لم يوافق على أن يأخذ المكافأة, وطلب أن توهب إلى مدرسة الإسكندرية, حيث يستكمل أبحاثه.

واستكمل العالم العبقري أبحاثه في مجالات عديدة.

لم يكف أبدًا عن اللعب. فظل يتأمل الغلمان وهم يرفعون المياه بصعوبة من البئر, وفجأة, في أحد الأيام, جاءته الفكرة الملهمة.

وسرعان ما صنع أول رافعة في تاريخ البشرية.

فعن طريق ذراع طويلة, يمكن الارتكاز عند طرفها, يمكن رفع دلو المياه من الأعماق بسهولة شديدة.

وفرح الفلاحون لهذا (الاكتشاف).

وصار الناس يستخدمون الرافعة في كل أوجه الحياة, في رفع الأحجار لبناء المعابد, والبنايات العملاقة.

زادت فرحة الناس, عندما استخدم (أرشميدس) الأسطوانة في تسهيل رفع الأشياء الثقيلة, وتحريكها من مكان لآخر.

وعندما اندلعت الحرب بين أبناء قومه, وجيران الإمبراطورية الرومانية, قرر أن يفعل شيئًا ينهي به الحرب إلى الأبد.

وجاءته فكرة المنجنيق, من خلال قانون الروافع الذي توصل إليه.

(المنجنيق) بكل سهولة, هو عمود طويل من الخشب, على طرفه الأول توجد سلة, بها كرات من النار, وعلى الطرف الثاني أثقال متعددة الأوزان.

وما إن يتم الضغط على الطرف الثاني, حتى تتطاير كرات النيران, وتنطلق نحو أرض الأعداء, فتثير الرعب في قلوبهم.

واستطاع (المنجنيق) أن يحسم الحرب لصالح قومه.

وعندما أراد الملك مكافأته على ما فعله, قال مرددًا:

إنه وطني.. وأنا أدافع عنه بطريقتي.. بالعلم.

 


 

محمود قاسم