بيتنا الأرض

بيتنا الأرض

نيمو.. ونينو.. ونينا

أنا نيمو, فرخ السمك الصغير الذى فقد أمه, فرباه أبوه, ولم يسمع كلام أبيه مرة, فوقع فى أسر البشر, وصار سجين حوض لتربية الأسماك فى عيادة طبيب أسنان خشن الإحساس بإحدى المدن الساحلية, ولم يخرج من سجنه ويعود إلى مياه الحرية فى المحيط, إلا بعد رحلة مهولة قام بها أبوه متعرضاً لأخطار قاتلة, وعوائق مستحيلة, حتى استطاع تحريره فى النهاية, نهاية فيلم الكرتون العالمى البديع الذى حمل اسمى نفسه : (نيمو).

أنا نيمو, أما ( نينو), فهو اسم ظاهرة طبيعية تتكرر كل 2 - 7 سنوات, وينقلب فيها المناخ انقلاباً خطيراً فوق المحيط الهاديء والبلدان الساحلية التى تطل عليه, والسبب هو ظهور تيار من المياه الدافئة تتجه جنوبا فى الشتاء, وتجعل الهواء فوق المياه أدفأ وأكثر رطوبة, فيرتفع مكونًا السحب المطيرة التى تهطل بغزارة مصاحبة تيارات الهواء العنيفة, وهما معاً يكونان عواصف خطيرة تجتاح البلدات والمدن التى تطل على المحيط وتسبب فيها الكوارث.

النينو, وهى كلمة إسبانية تعنى (الولد), ظاهرة لا يتوقف تأثيرها الكارثى على الأرض فقط, بل على البحر أيضا, فعندما تصير المياه أدفأ تمنع المياه الباردة والغنية بالمغذيات من الصعود إلى السطح, وتضطر الأسماك الصغيرة إلى الغوص نحو الأعماق لتأكل, معرضة نفسها للأسماك الكبيرة والمتوحشة .

أما النينا, أو (لانينا) وهي كلمة إسبانية تعني (البنت), فإنها تطلق على ظاهرة مناخية أخرى تمثل عكس ظاهرة النينو, وهى خطرة أيضا وإن كانت بصفات معكوسة .

أنا نيمو, سمكة من الأسماك الصغيرة التى تتعرض للخطر عند مجيء النينو أو النينا, فعند مجيء النينو, الذي يمكث 18 يوماً, أكون وسط أقاربى فى سرب الأسماك الكبير الذى يقدر عدده بالآلاف, ونضطر جميعاً إلى الغوص فى اتجاه الأعماق نحو المياه الباردة الدسمة لنأكل حتى لا نهلك من الجوع . وفى هذه الأعماق نواجه الأسماك الكبيرة المفترسة, ونقوم بحيلة تجعل الأسماك الكبيرة تظننا - مجتمعين - سمكة واحدة أكبر منها فتهرب وتتركنا فى سلام . هذه الحيلة ننفذها بدقة, مطيعين توجيهات الأسماك الراشدة الحكيمة التى توجه طوابير من آلاف الأسماك فى السرب للصعود أو الهبوط فى اتجاهات معينة, وفى النهاية يتشكل من أفراد السرب المتجاورين والمصفوفين بدقة شكل سمكة عملاقة, أو وحش بحري يخيف الأسماك الكبيرة المفترسة ووحوش الأعماق .

أنا نيمو, سمكة صغيرة كانت تعيش وسط سرب كبير من أقاربها, لم يستطع النينو ولا أخته (لانينا) أن يقضيا عليه, بفضل قدرة هذا السرب على التجمع والتشكل فى صور ضخمة تخيف وحوش البحر, لكن هذه الحيلة لم تُفلح عندما واجه السرب وحوش البر, أي الصيادين الذين يقومون بالصيد الجائر, بوسائل ميكانيكية فى سفن عملاقة, تشفط السرب كله, ولا تترك حتى الصغار ليكبروا ويتكاثروا ويجددوا محصول الأسماك فى البحر, إنهم متوحشون وحمقى, يهمهم أن يصيدوا كثيراً اليوم, ولا يفكرون فى المستقبل . ولقد نجوت منهم بالصدفة لأننى كنت فى ذيل السرب واستطعت أن أبتعد فى الوقت المناسب .

نجوت, نعم, لكننى أهيم فى المحيط, أبحث عن سرب أسماك من نوعى أعيش آمناً وسط جموعه, وعندما أجد هذا السرب سأخبر أفراده بأن هناك ظاهرة أشد ضررًا من النينو وأخته نينا, هى الإنسان عندما يتوحش, ويندفع فى الصيد الجائر الذى يجرف البحر من الأسماك, يطمع فى المكسب الكبير اليوم, ولا يفكر فى الخسارة المؤكدة غداً.

 


 

محمد المخزنجي