الطباخون يعزفون الموسيقى

الطباخون يعزفون الموسيقى

عدسة: حسين لاري

تخيل أنك واحد من الطباخين داخل مطبخ مزدحم بالأواني ومواقد الطهو وأدوات التنظيف والخضراوات واللحوم وبقية المواد الغذائية. ولكن بدلاً من أن تعد الطعام بهذه الأدوات إذا بك تحولها إلى آلات موسيقية. وبدلا من القيام بعملية الطهي تأخذ في الرقص.. وفي الشجار وفي القيام بحركات بهلوانية مدهشة.

هذا هو المطبخ الذي تقدمه فرقة (ناناتا) الكورية. وهي كلمة تعني (الطبخ) وقد سميت الفرقة بها لأنها تتكون من ثلاثة, شابين وفتاة. يعملون داخل مطبخ أحد المطاعم الفخمة ومطلوب منهم أن يحضروا وليمة ضخمة لأحد الأعراس. المدير يصرخ فيهم للعمل بكل جهدهم حتى ينتهوا من كل شيء قبل أن تأتي الساعة السادسة.

وبدلا من أن يقدم لهم المساعدة يأتي ابن عمه, شاب من الريف لا يعرف أي شيء ويبحث عن عمل. ويقوم المدير بتعيينه في المطبخ ليقوم بالطهي مع الآخرين. ولكنه بالطبع لا يعرف كيف يوقد الموقد. ولا يفرق بين الملح والسكر. ويضع في وعاء الحساء أشياء لا تخطر على البال. مناشف وأحذية, باختصار إنه يسبب له فوضى فظيعة.

وكلما وقع في خطأ كبير ذهب واحتمى في ابن عمه المدير, ورغم ذلك فهذا الشاب ظريف وخفيف الدم وهو ينجح أخيرًا في عقد الصداقة مع بقية الطباخين, وهم يحبونه أخيرًا ويتعارفون جميعًا على الطهي معًا وإعداد الوجبة في الوقت المحدد.

من دون أي كلمة تدور أحداث هذا العرض. ولكن من خلال الرقص على الإيقاعات المختلفة, والإيقاعات هنا كما قلنا لا تستخدم فيها أي آلة موسيقية ولكن أدوات المطبخ.. أواني الطهي, المقالي, الأطباق, السكاكين, ألواح التقطيع, زجاجات المياه, وحتى المكانس والدلاء. كل ما يصدر صوتًا يتحول إلى إيقاعات وأنغام متصلة. وكل هذا يدفع بالحركة والمرح في نفوس الشخصيات التي تتحرك على المسرح والمتفرجين على مقاعدهم دون حاجة إلى أي كلمات.

وخلافًا لكل العروض حيث يطلب من المتفرجين التزام الصمت, يطلب القائمون على هذا العرض من الجمهور التعبير عن مشاعرهم, بالصراخ والهتاف والتصفيق. بل ويطلب منهم أن يتمرنوا على القيام بذلك قبل بدء العرض. لذلك قبل أن يرتفع الستار يأخذ الجمهور في التصفيق والصراخ والهتاف بأعلى صوت ممكن.

ولكن.. ما قصة فرقة ناناتا وكيف تكونت?

نونج آك.. أو الموسيقى الريفية هي نوع من الموسيقى الشعبية التي يؤديها الفلاحون والعمال لتسلية أنفسهم في مكان العمل. ولا يعلم أحد من الذي ابتكر هذه الموسيقى ولا في أي منطقة أو زمن معين. ولكن جماعة من الناس خلقت إيقاعاتها الخاصة.

في عام 1970 تكونت جماعة من هؤلاء المتخصصين في هذه الموسيقى الريفية وبدأوا يحاولون تجربة خلق نغمات جديدة بواسطة استخدام الطبول الشعبية والصنوج النحاسية وابتكروا نوعًا من الموسيقى تسمى (شامو لونري) أي موسيقى الآلات الأربع. وقد انتشرت هذه الموسيقى بسرعة في كل كوريا الجنوبية ومازالت أوسع أنواع الموسيقى انتشارًا حتى الآن.

وفي عام 1997 تكونت فرقة ناناتا وقدمت عرضها الأول اعتمادًا على هذا النوع من الموسيقى الشعبية. وهي تدور حول الطباخين الأربعة أنفسهم. وهم يغيرون في كل ليلة ألوان ثيابهم بين الأزرق أو الأخضر أو الأبيض ويكتبون إعلانًا بلون الملابس على باب المسرح.

وأصبح هذا العرض واحدًا من أطول العروض التي شهدتها كوريا. فهو يعرض منذ سبع سنوات حتى الآن, وهو يجذب اهتمام كل السائحين الذين يزورون البلاد وقد انتقلت فرقة ناناتا عام 2000 إلى مسرح جديد خاص بها يقصده الجميع.

ولكن ناناتا لم تبق داخل حدود مدينة سيئول ولا داخل كوريا الجنوبية فقط, فقد انتقلت إلى العديد من بلدان العالم, وقد حصلت على الجائزة الأولى في مهرجان ايدنبرج للموسيقى في اسكوتلندا عام 1999.

وقدمت عروضها في 141 مدينة من 17 دولة مثل اليابان وتايوان وهونج كونج وماليزيا واستراليا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا. كما عرضت على أكبر مسارح أمريكا في شارع برودواي الشهير وبلغ عدد الذين شاهدوها 3 ملايين مشاهد, وهي بذلك تكون أكبر فرقة قدمت عرضا شاهده الناس في القرن العشرين, وهي أفضل رسالة من الفن الكوري إلى العالم.

 


 

محمد المنسي قنديل