قطر الحديثة تعتز بتراث الأجداد

قطر الحديثة تعتز بتراث الأجداد

صور: سليمان حيدر

ما إن يصل الزائر إلى قطر حتى يدرك مدى الاهتمام الفائق الذي توليه للحفاظ على التراث, ففي الكثير من الأماكن الي تحتويها مدينة الدوحة, تتوزع قلاع قديمة وأسواق شعبية شهدت رواجًا كبيرًا في الأزمنة السابقة, إلى جانب المتاحف العديدة التي تضم مختلف أنواع وأشكال الأواني والأزياء والمشغولات والمنحوتات والصناعات الجلدية والتقليدية صنعها ابن البيئة الخليجية قبل اكتشاف النفط, وتغير نمط معيشة السكان ودخول عادات وتقاليد وأساليب حياة مستجدة.

وبعيدًا عن المتاحف فإن قطر تنتهز فرصة الاحتفالات التي تقام فيها وكذلك المهرجانات التي تشهدها بين وقت وآخر, للتأكيد على أهمية الحفاظ على تراث الأجداد, وتعريف الأجيال الجديدة بما تركه هؤلاء السابقون من مظاهر وآثار وخبرات وطرق حياة صنعوها وتعايشوا معها رغم قسوة العيش وضيق الموارد.

وفي المهرجان الذي يقام كل صيف, تصادف أن كانت مجلة (العربي) في زيارة لإجراء استطلاع عن دولة قطر, ورأت مظاهر الاحتفال بتراث البشر والاعتزاز به.

لم يكن المهرجان احتفالاً لتسويق البضائع على المشترين, ولم يكن مجرد مكان لجلب البهجة إلى النفوس, بل كان أيضًا فرصة لكي يستعيد معها الجميع ذكريات الزمن القديم, وتتعرف الأجيال الجديدة على طريقة الحياة التي سادت في الفترة التي اعتمد فيها الناس على الصيد والغوص بحثًا عن اللؤلؤ وامتهان التجارة لكسب قوتهم.

نموذج القرية

(لقد كانت الحياة بسيطة جدًا, وكان الناس يسيّرون مختلف شئون حياتهم دون أي تعقيد), هكذا قال زميلي في تلك الرحلة التي بدأت مع انطلاق مهرجان عجائب صيف قطر, وهو المهرجان الذي أقيم للسنة الثالثة على التوالي في يوليو عام 2004.

قلنا إنها صدفة خير من ألف ميعاد, مرددين المثل العربي الشهير, فقد كنا في شوق للتعرف أكثر على العادات والتقاليد القطرية, والاقتراب أكثر من هؤلاء الذين عاشوا زمن ما قبل النفط وزمن ما بعده, وازداد شوقنا حين علمنا أن الحرف القديمة سوف يضمها مكان واحد خلال المهرجان.

انطلقنا إلى أحد المجمعات التجارية الكبيرة في العاصمة القطرية (الدوحة), وفي أحد الأدوار صعدنا لنجد مساحة كبيرة فيه قد تم تخصيصها لإقامة نموذج لقرية تراثية, تجمع في ما يشبه الغرف المفتوحة, معظم الذين كانوا قد زاولوا تلك المهن التي ارتبطت بوقتها, والتي كانت تشكل للبشر ضرورة لتوفير احتياجات الحياة, قبل ظهور الأسواق الحديثة والمجمعات العملاقة والمطاعم ذات المساحات الواسعة.

حين وصلنا إلى هناك وجدنا أنفسنا أولاً في مواجهة مجسم للحياة الطبيعية تضمه محمية أخذت جزءًا كبيرًا من المساحة المخصصة للقرية التراثية, كانت هناك غزلان وقطط وفهود وأيائل محنطة, تبدو لمن يراها مماثلة للواقع.

وما إن يمر الزائر في أرجاء تلك القرية التراثية حتى يتخيل نفسه وقد عاد إلى الزمن القديم, فمن مهنة الطواش, إلى فالق اللؤلؤ, إلى الحواج بائع الدواء, فالنداف, إلى المطوعة التي كانت تعلم الفتيات القراءة الأولى وتقوم بتحفيظهن سور القرآن الكريم, إلى بائع الذهب, وصانعي الأكلات الشعبية: الدرابيل والكعك والنخي والباجيلا والحلويات.

مهن عديدة جذبت أعيننا, مثلما انجذب إليها السياح الأجانب, حين بهرتهم ملامح ذلك التراث, وسرى إلى أنوفهم عبق الأيام القديمة, ببساطتها وهدوئها.

جاء هؤلاء للتعرف على مختلف الأنواع من الحرف, لكنهم اندفعوا يشترون الألعاب القديمة من صانعي الألعاب الشعبية التي كان يمارسها الأطفال قديمًا ومن أهمها الفخ والتيلة والفلينة والسدوامة والكرة بالإضافة إلى الخشيشة والألعاب الحركية.

وفي أحد الأركان كان أحد الرواة يشرح كيف كان الراوي يمارس مهنته قائلا إنه كان يقوم بسرد القصص للمحيطين به عن حياة الغواصين الصعبة ومغامراتهم المرعبة في البحر الهائج, ولم يكن للراوي مكان معين للرواية فيه, ففي أي مكان يتجمع حوله الناس ليقص عليهم حكاياته.

هكذا قضينا أوقاتًا جميلة مع حشد من الناس تجمّع في مكان القرية التراثية, لقد كانت لحظات ممتعة, كان الصغار هم الأكثر فرحًا, والأكثر شوقًا لمعرفة المزيد عما خلفه أجدادهم.

 


 

زكريا عبدالجواد