نصيحة من دانية

نصيحة من دانية
        

رسم: أحمد الخطيب

          توجّهت دانية إلى مَنزلِ صديقتِها حنين لِزيارتها بَعْدَما أقلقَها طُولُ غيابها عَنْ المدرسةِ.

          ما الذي يَمنَعُها مِنَ العودةِ إلى المدرسةِ على الرُغم من شفائها التام؟

          كانت دانية تَقْرعُ الجَرسَ وهذا السُّؤالُ لا يُبارحُ فكرها. فتحت والدةُ حنين بابَ المنزلِ واستقبلتها بلطفٍ ثم اصطحبتها إلى غُرفةِ النومِ حيثُ كانت حنين تَرقدُ في الفراشِ.

          سلامتكِ.. ألفَ مرةٍ سلامتُك.. لكِ السلامُ من كلّ الصف.. ماذا تفْعلينَ في السريرِ أيتُها الكسولة؟

          نَهضتْ حنين بفرح ورحبّت بصديقتها ثمّ رتّبتْ سريرها بُسرعةٍ ودَعتها للجلوس بقُربها. فَعلت كُلَّ ذلك بصمت، ودانية تراقبها وتنتظر منها إجابةً على السؤالِ الذي لايزال يلف ويدورُ في رأسها. وبهدوءٍ تام فتحتْ دانية الكتاب الموجود على الطاولة، قلّبت صفحاته وقالت: لقَدْ أخذنا الكثير من الدُّروس خلال غيابك عشرينَ يومًا، لكنَّ لا تَقْلقي، سوفَ أساعِدكِ قدرَ استطاعتي.

          أخَذَتْ حنين الكتابَ منها وأغلقَتْهُ، فقالت لها على الفورِ: ربما تشعرينَ بالإرهاقِ، نتكلمُ عنِ الدّرسِ في وقتٍ آخر.

          تَنَهدتْ حنين وقالت بصوتها الناعم: أنا بخيرٍ لكنّي قررتُ أنْ أتوقف عن الذهابِ إلى المدرسة.. هل أخبرتك أمي؟

          - ماذا؟ كلا.. لم أعرف..لا أصدّق ما تقولين.

          أجابتها حنين بحُزنٍ: أنا وأمي على خلافٍ في هذا الموضوعِ، لكني أصرُّ على أن تمنحني مُوافقتِها.

          - فَهمتُ.. تريدين أنْ تتعلّمي مهنة ما.. لعلّك تُريدين تعلّمَ الخياطة لتصبحي خيّاطة مثلها.

          هزّت حنين رأسها يمينًا وشمالاً وهي حينَ تفعلُ ذلك تقْصدُ النفي، ثُم قالت: إنها أحد الأشياء التي أفكّر بها.. قررّتُ أن أساعد والدتي في الأعمال المنزليّة.. في الحقيقة.. أقصد.. لا أريدُ أن أفعل شيئًا آخر في الوقت الحاضر. بالطبع سوفَ أضاعف ساعات الجلوس أمامَ الكُمبيوتَر.

          - أنا لا أفْهمك؟ قالت دانية بانفِعالٍ.

          - أرجوكِ اخفضي صوتَكِ. طَلَبَتْ حنين منها ذلك برجاء.

          همست دانية وهي تقول: والدتكَ بصحّة جيدةٍ وهي راضية عنْ الوضع، أليس كذلك يا حنين؟

          اغرورقت عينا حنين بالدموع وقالت بعصبيّة: لَمْ أعد أطيق الدرس.

          بلعت حنين ريقها وتابعت بانفعال شديد: لمْ تكوني معي السنة الماضية.. لقد تعذّبتُ ورَسَبتُ في نهاية العامِ.. لا أريدُ أن أرسبَ هذه السنة أيضًا.

          - لو حَصَلَ ذلك لا سَمَحَ الله، أليسَ أفضلَ من بقائكِ دون علمٍ؟

          - أنا فاشلةٌ.. قالتْ حنين بحزن شديد.

          - أنا كما تعلمين ضعيفةٌ في مادة الرياضيات، لكني أبذُل جُهدي ولا أجعلُ الأمرَ يؤثرُ على تفكيري. أنا أذكر جيدًا ما قالتهُ السيدةُ المديرةِ في مطلعِ العام الدراسي. كان كلامُها جميلاً.. لقد قالت إنه أصبحَ لدينا نحنُ الفتياتِ فرصٌ أكثرَ للنجاحِ في الحياةِ المهنيةِ لإثباتِ الذات، والمطلوبُ منّا بذلُ المجهود.. ثمَ لم لا تناقشينَ قراركِ مع زميلاتكِ؟ ومعَ مربيةُ الصف؟ أؤكد لكِ أنَّ الجميع سيعْملونَ على مُساعدتك في استيعاب الدروس.

          أنْهت دانية كلامَهَا والتفتت يمينًا ثم شمالاً بحثًا عن القطة التي كانت في حضن صديقتها منذ لحظاتٍ وقالتْ: وماذا عن حلمكِ في أن تصبحي طبيبة بيطريّة؟ أين قطتك لولو؟

          كانت معنا طوال الوقت.

          - لَقَدْ أحضرت سلحفاةً صغيرةً.. إنها.. إنها مختبئة في مكانٍ ما في الغرفة.. آه كم أتمنى أن أُصبح طبيبةً أهتمُّ بالحيواناتِ الضعيفةِ والمريضة.

          ابتسَمَتْ دانية وقد ربحت نصف المعركة وقالت: يجب أن أراك غدًا في الصف. أتمنى أن تعذرك الإدارة لغيابك الطويل.

          انفرج وجهُ حنين أخيرًا كما رأته دانية.. زيّنته ابتسامةٌ مشرقةٌ وقالت لصديقتها: هل تعتقدين أن المُربية ستُساعدني؟

          - نَعَمْ.. أجابت دانية.

          ألقَت حنين نظرةً بائسةً على الكتابِ الموجود على الطاولة وقالت: يُزعجني شعوري بالنفور الشديد من الدرس.

          قالت دانية: أنا أشعر بذلك خلال المذاكرةِ للامتحانات.

          ضحكتا معًا ثم حملت دانية الكتاب، فتحته بحماس وقالت: يجب أنْ تَفرحي لأن لديكِ صديقةً مثلي.. هيا نبدأ الخُطوة الأولى.

 


 

سناء شبّاني