أفكار وأحلام

أفكار وأحلام
        

رسوم: عمرو أمين

          في المساءِ لم ترغب سارةُ في النومِ في غرفتهِا والنور مطفأ، ففي المدرسةِ تحدثت صديقاتُها عن أحد أفلامِ الرعبِ والأشباحِ التي شاهدنها، وجرهن الحديثُ إلى ذكر الغيلانِ التي تلاحق الأطفالَ لتفترسهم والمردةِ الذين يخرجون من القناديلِ السحريةِ عند مسحِها أو لمسِها، فتنقل الناسَ إلى عالمٍ آخر بعيدًا عن أهاليهم، والعفاريتِ التي تختفي وتظهرُ فجأةً في الظلامِ وتسبب الرعبَ والأذى لكل من يلاقيها.

          سحبت سارةُ اللحافَ إلى رأسِها، ثم اختلستُ النظرَ من تحتِه عل عفريتًا يختبئ في الجوارِ يرقبها، وارتعدت أطرافُها حين سمعت صوتَ بابٍ يُفتح ثم يُقفل بشدة، فصرخت بفزعٍ شديدٍ وتكورت في فراشها ترتجفُ، هرعُ الجدُ إلى غرفةِ سارة وضمها وطمأنها وسألها: ما الذي حدث يا سارة، هل رأيت حلمًا مزعجًا؟

          انهمرت الدموعُ من عيني سارة وخبأت وجهَها في صدرِ جدها وتمتمتْ: العفريت يا جدي فتح البابَ وأغلقَه هل رأيته؟

          تعجّب الجدُّ وسألَها: وهل رأيته أنتَ؟!

          تلعثمت سارةُ واحتارتْ: ولكنه... ولكنه موجودٌ يا جدي... العفاريتُ موجودة...

          قال الجد: أنا آسف، لقد فتحتُ نافدةَ المطبخِ ونافذةَ الردهةِ مما سببَ حدوثَ تيارٍ أغلقَ بابَ المطبخِ بشدةٍ، فهل أنَا عفريتٌ يا سارة؟!

          ابتسمت سارةُ ثم تحولت ابتسامتها إلى ضحكةٍ صغيرةٍ، فداعبَها الجدُّ وأعادَها إلى فراشِها، وحين أرادَ إطفاء النورِ رفضت سارةُ وطلبت إليه أن يتركَه مضاءً، فاستجابَ إلى طلبِها وذهبَ إلى غرفتِه.

          بعد أيامِ جلسَ الجدُ مع سارةِ في شرفةِ المنزلِ وسألَها: هل لازلتِ خائفة من العفاريتِ والأشباحِ؟

          نظرت سارةُ بخجلٍ إلى جدها وأجابت: نعم يا جدي... أنا لاأزال خائفةً منها.

          قال الجد: أريد أن أسألك سؤالاً يا سارة، ألم نذهب للمتحفِ في الإجازةِ الماضيةِ، فهل رأيت عفريتًا أو غولاً محنطًا أو رأيت رسمًا معلقًا لماردٍ أو أدواتِ كانت تستعملُها الأشباحُ في حياتِها؟

          أجابت سارةُ: لا يا جدي لم أر شيئًا من ذلك.

          وسألها الجدُّ مرةً أخرى: وهل سمعت يومًا أن أحدًا لاحقَ العفاريتَ وطاردَ الأشباحَ وألقى القبض عليها ووضعها خلف القضبانِ بتهمةِ إزعاج الإنسانِ؟!

          ضحكت سارةُ وأجابت: الشرطة يلاحقون اللصوصَ والمجرمينَ.

          وعاد الجد يسأل: وهل رأيت يومًا صورًا ملتقطة لهم في الصحف والمجلات والكتب؟

          اعترضت سارة: ولكن يا جدي في الأفلام قد صوروهم؟!

          ابتسم الجد: هذا هو الأمر يا سارة، إنها مجرد أفلام فيها خيالٌ وأوهامٌ، يحوّلها بعض الأشخاصِ إلى أفلام رعبٍ لتجذب الناسَ إلى متابعتِها، ألم يمثل في الفيلم أناسٌ مثلنا، هل حقًا خطفتهم العفاريت وأخفتهم بعيدًا، أو لاحقتهم الأشباحُ وآذتهم، ألا يعود هؤلاء الممثلون ليمثلوا أفلامًا جديدةً نشاهدهم فيها؟

          أطرقت سارةُ وهزتْ رأسَها موافقة: نعم هذا صحيح يا جدي.

          همس الجد: إذن يا سارة قبل أن تنامي كل ليلة بدلاً من أن تفكري بالأشباح والعفاريت، فكري بأشياء جميلة، كأن تتخيلي نفسك وقد سافرت في رحلات مختلفة حولَ العالمِ، أو أنك كبرت وذهبت لتدرسي في الجامعةِ، أو أنك اكتشفت جهازًا جديدًا يفيد الناس في حياتهم.

          قالت سارة: أجل يا جدي سأفعل.

          وفي أحد الأيامِ أزاحَ الجدُّ الستارةَ عن النافذةِ فدخلَ النورُ غرفةَ سارة فتقلبت في فراشِها وقالت بكسلٍ: اطفئ النور يا جدي، أريد أن أرى أحلامًا جميلةً وسعيدةً!

          ضحك الجدُّ وقال: نور الشمسِ لا يطفأ، هيا انهضي لنفطر معًا، اليوم إجازة.

 

 

 


 

لطيفة بطي