المظلَّةُ المسكينةُ

المظلَّةُ المسكينةُ

رسم: مصطفى بركات

كانَ الجوُّ باردًا جدًا، والريحُ شديدة، والمطرُ يرشقُ السائرينَ بغزارة، وأنا أسيرُ في أحد شوارعِ الموصلِ.

كانت امرأةٌ تسيرُ أمامي ماسكةً بيد طفلِها، وفوقَ رأسِها مظلّتها، وكذلك كان طفلُها ماسكًا مظلةً صغيرةً فوقَ رأسِهِ.

المطرُ اشتدّ، والريحُ أخذت تدفعُ أوراقَ الأشجارِ الصفراءَ أمامها في الشارعِ، والناس يمشون مسرعينَ عائدينَ إلى بيوتهِم، وإذا بمظلة الطفلِ تفلتُ من يدهِ، وراحت الريحُ تدفعها وتدحرجها في الشارعِ بعد أن مزّقتهَا وحطّمت أسلاكها...

- أوه ماما! مظلتي اختطفتهَا الريحُ منّي، أريدُها.. سأجري وراءها...

- دعها يا بنيََّ، سأشتري لك غيرها، هدئ من روعِك، وامشِ تحت مظلّتي...

بقيت الأمُّ ممسكةً بيد طفلها الذي يحاولُ الإفلاتَ منها، والجري وراء مظلّته وإمساكها.

قالت الأم بحدّةٍ: قلتُ لك دعها يا بنيّ، لماذا لم تمسكها جيدًا، دعها، لقد تمزّق ثوبها واعوجّت أسلاكُها.

- أرجوكِ يا ماما... دعيني أمسكها، فلا أريدُ أن تبقى منطرحةً في الشارعِ تحت المطرِ، إني أخافُ أن تسحقها السياراتُ، إنها صديقتي وقت المطر.

توقفت الأمُّ، مسحت دموعَ ابنها التي امتزجت بقطراتِ المطرِ، ثم أسرعت إلى المظلّةِ، ورفعتها بهدوءٍ من الشارعِ، وأعطتها إلى طفلِها وهي تقول لهُ:

«في مرةٍ أخرى أمسك مظلتك بقوّة ولا تدع الريحَ تأخذها منك يابنيّ...».

 


 

زهير رسّام