البنفسجة

البنفسجة

رسوم: سمير عبدالمنعم

حين تفتّحتْ البنفسجةُ الزرقاءُ ذاتَ صباحٍ، وشعرت بالحياةِ تدبُّ في وريقاتِها، أبصرت العالم من حولها، لقد كان ملونًا وجميلاً جدًا، ولكن وريقات جاراتها من الورودِ، لم تجعلها ترى إلا مساحةً صغيرةً من السماءِ، ومع ذلك فقد ابتسمت برضا، وحمدت الله على نعمةِ الحياةِ التي وهبها إياها. وأخذت تتنعمُ بنسيماتِ الصباحِ، وبأشعةِ الشمسِ، وبألوانِ الزهورِ من حولِها، لكن في قرارة (داخل) نفسها تشعر بالأسى لأن دنياها صغيرةٌ: فجأةً سمعت ضوضاء تأتي من فوقها. رفعتْ البنفسجةُ رأسَها، فرأت شجرةً نحيلةً ناعمةً جميلةً، وهي تحيط بزهراتٍ بيضاءَ رائعةَ الجمالِ. ولكن إحداها كانت غاضبةً، فهي لم تستطع التمتع بمنظرِ الحديقةِ، بسبب تلك الاشجار الكبيرة التي كانت تحجب عنها الرؤية، فأخذت تصرخُ غاضبةً، وتمنّت لو أنها تطيرُ فوقَ الحديقةِ لتراها كلَّها، ولترى السماءَ، ثم أخذت تحسدُ العصافيرَ التي كانت تعشّشُ في تلك الأشجارِ. لأن لها أجنحة تبسطها وتطيرُ مبتعدةً في السماءِ الزرقاءِ.

شعرتْ البنفسجةُ بالحزنِ على الزهرةِ، فقد كانت محقةً، فديناهما صغيرةً.

حاولت البنفسجةُ شدّ نفسها من الترابِ لتتجوّلَ في الحديقةِ، فأحست بألمٍ شديدٍ، وأدركت أنها لن تستطيع خلع نفسها من الترابِ دون أن تتأذّى، فحاولت استغلال يومَها بأشياءٍ مفيدةٍ والتمتع بما لديها من مناظر ونسمات عليلة، فجأةً هبّت الريحُ، وسقطت حبيباتٌ من المطرِ فتكوّرت البنفسجةُ حول نفسها، وقد احتضنتها وريقاتُها الرقيقةُ، حتى انتهت الريحُ من جنونِها.

رفعت البنفسجةُ رأسَها لترى الزهرةَ التي كانت تتذمّر منذ قليل، وهي تحلّق بمفردها في الهواءِ سعيدةً، وأخذت تلوحُ لها مودّعةً.

شعرتُ البنفسجةُ بالسعادةِ من أجلِ الزهرةِ البيضاءِ، وتمنّت لو أنها تطيرُ مثلها.

في صباحِ اليومِ التالي، حين استيقظت البنفسجةُ من نومِها، والشمسُ تداعبها بشعاعِها، فوجئت بالزهرةِ البيضاءِ ذابلةً قريبًا منها. فسألتها والدهشة تملؤها عن حالِها.

قالت لها الزهرةُ البيضاءُ: طرتُ وتفرّجتُ على الدنيا، لقد كانت جميلةً جدًا، وكم تمتّعت بمناظرها الخلابة. ولكن حين انفصلت عن شجرتي، لم يعد باستطاعتي الحصول على الماءِ أو الغذاءِ. فحاولت العودة إلى مكاني، ولكني لم أستطعْ، فخارت قواي وسقطت هنا، وأنا الآن أموتُ جوعًا وعطشًا، وقد جفّت وريقاتي كما ترين.

لم تكملْ الزهرةُ البيضاءُ حديثَها، حتى جاء كائنٌ ضخمٌ يحملُ بيدِه حزمة من العيدانِ. فأطاحَ بالزهرةِ البيضاءِ بعيدًا.

حزنتْ البنفسجةُ على الزهرةِ البيضاءِ، وامتلأت مقلتاها بالندى، فارتعشت، ونظرت حولَها، فقد اتسعت دنياها كثيرًا، وصارت ترى بوضوحٍ قامات الزهور السامقةَ من حولِها فابتسمت بسرورٍ، وحمدت خالقَها وفاح عطرُها (انتشرت رائحتها) رقيقًا.

 


 

خديجة الأطرش