زهرة الليلك (من الحكايات الشعبية الإسبانية)

زهرة الليلك (من الحكايات الشعبية الإسبانية)

رسمها: حلمي التوني

نعم يا سيدي, كان هناك ملك, وكان له ثلاثة أبناء, وفي يوم من الأيام, وهو اليوم الذي جمعهم فيه, وكانوا كلهم في سعادة غامرة, أصيب الملك بمرض في عينيه وبدأ يفقد بصره لدرجة العمى. أطباء الملك قالوا له إنه يوجد شيء واحد في العالم يمكن أن يعيد له بصره, وهذا الشيء هو زهرة الليلك. ولكن لا أحد يعرف أين توجد زهرة الليلك, وعندئذ أمر الملك أبناءه الثلاثة بالبحث عن تلك الزهرة في كل النواحي, وقال لهم إن مَن سيحضرها هو الذي سيرث تاجه.

أول واحد خرج راكبًا حصانه كان الابن الأكبر, وفي الطريق قابلته فقيرة عجوز, وطلبت منه رغيف خبز, ورد عليها بطريقته البالغة السوء:

- ابعدي عن طريقي أيتها العجوز بوجهك العكر.

وواصل طريقه, ولكن فجأة وقع له حادث. وتعب من التخبط في سيره من ناحية إلى أخرى دون الوصول للمكان. وعندما رغب في العودة, كان الوقت قد تأخر بالفعل.

والأخ الأوسط عندما رأى أن الأخ الأكبر تأخر في العودة, خرج راكبًا حصانه بحثًا عن الزهرة, وفي الطريق, قابلته أيضًا الفقير العجوز, والتي طلبت منه رغيف خبز, وبالطريقة نفسها التي رد عليها بها أخوه الأكبر, رد هو عليها:

- ابعدي عن طريقي أيتها العجوز بوجهك العكر.

إلا أنه تاه أيضًا في الطريق.

والابن الأصغر عندما رأى أن أخويه لم يرجعا, أخذ حصانه وخرج به ليجرب حظه, وقابلته الفقيرة العجوز وطلبت منه رغيف خبز, فأعطاها الابن الأصغر رغيف الخبز كله. وعندئذ سألته العجوز:

- ما الذي خرجت لتبحث عنه يا بني?

- ابحث عن زهرة الليلك يا أمي لأرد بها البصر لأبي المريض.

قالت له السيدة العجوز:

- طيب خذ معك هذه البيضة, وعندما تصادفك في طريقك صخرة سوداء اكسر البيضة فوقها فتنشق الصخرة وتظهر لك حديقة رائعة الجمال, محروسة بأسد. وإذا كان الأسد راقدًا بعينين مفتوحتين, فهذا يعني أنه نائم, ويمكنك أن تمر, وإذا كان الأسد مغمض العينين, فمعنى هذا أنه يقظ, فلا تدخل.

وبعدما سار في طريقه مسافة طويلة إلى أن صادف الصخرة السوداء, فكسر البيضة فوقها, انشقت الصخرة لتظهر الحديقة الرائعة الجمال حيث توجد بها زهرة الليلك, والتي زهت بيضاء تشع نورًا وتفوح منها رائحة زكية تدير الرأس, وتأكد الأمير أولاً من أن الأسد محتفظ بعينيه مفتوحتين, فعرف أنه نائم.

مرّ بجانبه واقتلع الزهرة بحرص وهدوء شديد دون أن يحدث أي صوت. وعندما عاد من رحلته, قابله في الطريق أخواه, وكانا يجلسان على جانب الطريق, في تعب شديد من توهانهما دون أن يهتديا إلى مكان الزهرة. وللوهلة الأولى تمالكا نفسيهما بعد سعادتهما البالغة لما عرفا أن الزهرة أحضرها أخوهما الأصغر, وتمنيا لو اقتسما الغنيمة معه. لكنهما فكّرا على الفور أنهما لو قتلاه وانتزعا منه الزهرة فسيقتسمان المملكة وحدهما, وهكذا قتلاه, وانتزعا منه الزهرة ودفناه.

إلا أنهما لم يعملا حسابًا لإصبع من أصابع يده, تركاه خارجًا من التراب فوق سطح الأرض.

تحوّل الإصبع الواقف فوق سطح الأرض والمغروس في التراب إلى عود من نبات البوص.

وكشف السر بالصدفة, راع كان مارًا من هناك, عندما قطع عود البوص وصنع منه نايًا, وما إن نفخ فيه حتى خرج منه صوت يردد أغنية تقول:

(أيها الراعي الصغير, احرص ألا تجرحني...

ولا تتوقف عن النفخ والعزف بي

لأن إخوتي جعلوني ميتًا...من أجل زهرة الليلك).

وظل الراعي يواصل العزف حتى وصل إلى البلدة التي بها الملك.

وعندئذ بلغت مسامعه.

وكان الملك الذي سمع الأغنية بأذنيه, قد استعاد بصره بمنقوع الزهرة, فأرسل رجاله لإحضار الراعي الصغير, وطلب منه الناي ونفخ فيه, فردد الناي الأغنية:

(يا أبت...لا تتركني جريحًا...لأني سأشكو لك إخوتي...

إخوتي الذين جعلوني ميتًا...من أجل زهرة الليلك...).

عرف الملك ساعتها كل ما حدث, وخرج وهو يجري مع رجاله للمكان الذي قطع منه الراعي الصغير عود البوص. وأمر إبناه أن يحفرا الأرض ويزيلا التراب عن ابنه الأصغر, وما إن أخرجه حتى استردّ حياته, فعينه الوارث الوحيد لمملكته.

 

 


 

محمد إبراهيم مبروك