العالم يتقدم

العالم يتقدم

جبل الأمواج المدمّرة!!

لاشك أنك علمت بالكارثة المروّعة التي حدثت في المحيط الهندي في ديسمبر 2004, وأصابت اثنتي عشرة دولة في جنوب شرق آسيا وشمال شرق إفريقيا, ونتج عنها وفاة أكثر من مائتي ألف شخص في إندونيسيا وتايلاند والهند وبلاد أخرى.

وتُعرف هذه الكارثة باسم (تسونامي), وهي عبارة عن سلسلة من الأمواج العملاقة التي تشبه الجبال, ويصل ارتفاعها عندما تقترب من الساحل, إلى أكثر من ثلاثين مترًا, وهذا يعادل مبنى مكونًا من عشرة طوابق!

و(تسونامي) كلمة يابانية تعني (موجة الميناء), وقد أطلقها الصيادون اليابانيون, عندما لاحظوا تدمير موانئهم عند عودتهم من رحلات صيد الأسماك, ولم يكن هؤلاء قد صادفوا أمواجا مرتفعة أثناء هذه الرحلات, إذ إن أمواج (التسونامي) تندفع باتجاه السواحل في أعماق المحيطات, دون أن تبدو آثارها فوق سطح الماء, حتى تقترب من المناطق الساحلية.

الزلازل.. والتسونامي

ولكن ما الذي يُحدث ظاهرة (التسونامي)?

تنشأ هذه الظاهرة نتيجة لأحد الأسباب التالية:

- زلزال في قاع المحيط.

- ثورة بركان في الأغوار المحيطية العميقة.

- انهيار صخري تحت سطح الماء.

- ارتطام كويكب أو نيزك بمياه المحيط.

ولعل أكثر الأسباب شيوعًا, هو حدوث زلزال في قاع المحيط, فكيف تحدث الزلازل?

من المعروف أن الجزء الصلب الخارجي لكوكب الأرض, يتكون من كتل هائلة من الصخور يطلق عليها (صفائح) ويبلغ عددها نحو خمس عشرة صفيحة, وهي تتحرك ببطء على طبقة من صخر منصهر ولكل منها قشرة, وهي تحمل معها القارات وأرض المحيط, ويبلغ متوسط سُمك هذه الصفائح نحو تسعين كيلومترًا. وقد تشغل مساحة الصفيحة الواحدة آلافًا عديدة من الكيلومترات المربعة, ومن هذه الصفائح, الصفيحة الأمريكية والصفيحة الإفريقية وصفيحة المحيط الهادي... إلخ.

وعندما تتحرك صفيحتان كل منهما في اتجاه الأخرى وتصطدمان, فقد يحدث أن تنزلق إحدى هاتين الصفيحتين تحت الأخرى أو تتسلق فوقها, ومن ثم ينشأ الزلزال. كما أن هناك أسبابًا أخرى لحدوث الزلازل, ولكن الزلزال المسئول عن كارثة التسونامي في ديسمبر الماضي, نتج عن انزلاق صفيحة تحت أخرى, على بعد عدة مئات من الكيلومترات غرب جزيرة سومطرة بإندونيسيا, مما أدى إلى ارتفاع قاع المحيط الهندي في هذه المنطقة بنحو عشرة أمتار, وهكذا تولّدت أمواج التسونامي الجبارة, التي أدت إلى خسائر فادحة في الأرواح.

فإذا ارتفع أو انخفض قاع المحيط - نتيجة حدوث الزلزال - تنشأ سلسلة من الأمواج العملاقة نتيجة لهذا الاضطراب, وتندفع لمئات الكيلومترات عبر قاع المحيط بسرعة تصل إلى ألف كيلومتر في الساعة! وإذا كانت ثمة سفن تبحر فوق هذه المنطقة من الميحطة, فلن يشعر ركابها بأي اضطراب في المياه, لأن ارتفاع الجزء الظاهر من أمواج التسونامي فوق سطح الماء, يبلغ أقل من متر!

وبمجرد أن تصل أموج التسونامي إلى قرب المناطق الساحلية, يحدث أمر عجيب, إذ تتضخم فجأة وبسرعة, مثل مارد عملاق يخرج من قمقم, وما إن تصل إلى الشواطئ حتى يصبح ارتفاعها نحو ثلاثين مترًا, ومن ثم تكون قادرة على إحداث دمار شامل في المنشآت الشاطئية التي تضربها, كما توقع عددًا كبيرًا من الضحايا وتسبب تشريد الملايين. وتستمد أمواج التسونامي هذه الطاقة التدميرية المروّعة, من الحجم الجبار لمياهها بالإضافة إلى السرعة الهائلة للأمواج في رحلتها من مركز الزلزال في قاع المحيط - عدة كيلومترات تحت سطح الماء - إلى السواحل. وعلى سبيل المثال, يبلغ وزن المتر المكعب من مياه أمواج التسونامي حوالي طن! ومن ثم يكون لمجموع تلك الأمواج قوة تدميرية تصل إلى ملايين الأطنان.

احذروا... الأمواج القاتلة قادمة!

ربما تتساءل: هل يمكن ابتكار أجهزة للإنذار المبكر من حدوث أمواج التسونامي, بهدف الوقاية من آثارها المدمّرة? الواقع أن هذه الظاهرة الطبيعية نادرة الحدوث, كما أنه من الصعب التنبؤ بها. ومع أن العلماء قادرون على رصد الزلازل التي تحدث في قاع المحيط بسرعة, بواسطة أجهزة تسجيل الزلازل التي تنتشر محطاتها في أماكن متفرقة من المحيطات, إلا أنه ليس كل زلزال تحت الماء تنتج عنه ظاهرة التسونامي, بل هناك عوامل أخرى مؤثرة مثل طبيعة قاع المحيط من حيث وجود جبال وبراكين ونوعيات معينة من الصخور.

وحتى لا تحدث مثل كارثة ديسمبر الماضي مرة أخرى, فهناك مشروع لوضع ثلاثين جهازًا لتسجيل الزلازل في أماكن متفرقة بالمحيط الهندي, بالإضافة إلى ستة مراكز تحتوي على منظومات لتسجيل التسونامي وعشر محطات لقياس التيارات المديّة في مياه المحيط, مع تطوير منظومات الاتصال داخل الدول التي تقع على ساحل المحيط الهندي حتى تتمكن من التقاط إشارات الإنذار المبكر من الأقمار الصناعية, بقدوم جبال الموج المدمّرة.

 


 

رءوف وصفي

 




صوره بالاقمار الصناعية (أعلى) لمدينة ساحلية هندية, قبل كارثة تسونامي, والصورة أسفل بعد الكارثة