صديقي بالمراسلة

صديقي بالمراسلة

رسم: أحمد الخطيب

تلقى الفيل الصغير بطاقة دعوة من صديقه الجديد بالمراسلة (بطريقو) لزيارته في القطب الجنوبي, فرح وراح يركض في الغابة بحثًا عن والديه ليخبرهما عن الدعوة وعن رغبته بتلبيتها.

التقى بالعم سنجاب على أحد الأغصان وتوقف يسأله وهو يلهث: هل..ر...رأيت..ماما و..با....بابا?

قال السنجاب بقلق: ماذا أصابك يا صغيري? هل أستطيع مساعدتك?

أجابه بعد أن أخذ نفسًا عميقًا: وصلتني دعوة من صديقي بالمراسلة (بطريقو) لزيارته في القطب الجنوبي.

فكّر السنجاب قليلاً ثم قال ضاحكًا: لابد أنك تمزح يا عزيزي, سوف تصاب بالزكام وبأوجاع في المفاصل, خذ معك بعض الأدوية مسبقًا...ها هاها...هاها...انصرف السنجاب إلاّ أن ضحكاته ظلّت مسموعة في الغابة. تابع الفيل الصغير مهمة البحث عن والديه وتوقف عن المسير على أثر قفزة القرد على ظهره. أخبره بحماس عن الدعوة.

أظهر القرد اهتمامًا بما سمعه, نزل عن ظهر الفيل وسأله: هل أستطيع أن أذهب معك أيضًا? ابتسم الفيل الصغير وأجابه على الفور: أتمنى ذلك لكن ألا ترى معي أنه من اللطافة أن نستأذن صديقي أولاً?

تشقلب القرد مرات متتالية على الأرض ثم قال: موافق لكن لدي سؤالاً مهمًا, هل توجد أشجار متشابكة الأغصان هناك حيث يعيش صديقك?

فكّر الفيل الصغير وهو يتأمل البطاقة التي أرسلها (بطريقو). كان المكان أبيض والأرض البيضاء شاسعة, بدت ممتدة إلى ما لانهاية. اقترب القرد وشاركه النظر إلى الصورة. لم تُعجبه وقال بانزعاج: لقد غيّرت رأيي...الأمر لا يناسبني, أنا لا أحب اللون الأبيض. أحب اللون الأخضر.

أجابه الفيل: ماذا تقول? أشجار بيضاء أو خضراء..! ما الفرق? سأسأل صديقي عن وجود الأشجار.

توارى القرد عن الأنظار في اللحظة التي ظهرت فيها الزرافة وسألته مستفهمة: ما بالك تُخاطب نفسك يا عزيزي?

أشرق وجه الفيل الصغير مجددًا وأخبرها عن الدعوة وعن بحثه عن والديه. سرت الزرافة وقالت: ما أروع صديقك, كم أحب التزلج, لكن الفكرة مستحيلة, طبعًا.

سألها مستفهمًا: لم أفهم. لماذا تبدو الفكرة مستحيلة?

أجابت بحزن: سأحتاج إلى كنزات صوفية, وقد اضطر لتناول نباتات يغطيها الثلج حين لا أجد ما يناسبني, وهذا الأمر سوف يؤلم معدتي, ابتعدت عن المكان بدورها بعد أن أخبرته عن وجود والديه عند النهر.

تركته في حيرة, تأمل بطاقة الدعوة مجددًا حيث ظهر صديقه واقفًا على أرض بيضاء يغطيها الثلج, وصار يحدّث نفسه: أعرف أن هذا اللون الأبيض هو الثلج لكن ما هو الثلج? ولماذا يملأ المكان? القرد لا يحب لونه والزرافة تؤلمها معدتها إذا أكلت الأوراق التي يغطيها, حتى الشمس تبدو مختلفة, إنها باهتة.

وفجأة, أحسّ بوخزة برد تسري في جسمه فأسرع تحت الشمس لتدفئه, وعندما شعر بالدفء تابع مهمته وتوجه إلى النهر.

وجد والديه عند النهر, اقترب منهما, وسأل والدته بصوت مرتفع: ماما? ما هو الثلج?

أجابته على الفور (إنه مياه تحوّلت بفعل البرد القارص إلى جسم صلب).

رفع الفيل الصغير خرطومه عاليًا, وقال وكأنه اكتشف أمرًا عظيمًا: (كنت أعرف ذلك, فنحن نعيش في منطقة حارة, ولا يناسبنا المناخ البارد. فهمت, فهمت كل شيء), وأخبرهما عن دعوة صديقه الجديد (بطريقو) له لزيارته في القطب الجنوبي.

وبعد ذلك قالت له والدته باعتزاز: (يا لذكائك يا بني لقد فهمت الأمر لوحدك), ابتسم الوالد مشجعًا ابنه الصغير بدوره وقال: (عافاك يا بني, وماذا ستخبره?) ضحك الصغير فرحًا وهو يشعر بالفخر لاكتشافه أمرًا بغاية الأهمية وقال: (سوف أشرح لصديقي سبب رفضي لزيارته ليتفهّم الأمر ويعلم باستحالة زيارتي له, لكنني سوف أبادله لطفه وأدعوه إلى زيارتي, وهذا ما سأفعله على الفور).

ابتعد عن النهر وتوجه إلى المنزل وهو يغني تاركًا والديه يتبادلان النظرات بدهشة. قال الفيل الكبير لزوجته: هيا بنا نلحق به لنقنعه بضرورة بقاء صداقتهما بالمراسلة فقط.

أجابت والدة الفيل الصغير: (اعتقدت أن ابننا ذكي بما يكفي ليعرف أن المناخ الحار لا يناسب صديقه البطريق).

وهكذا أسرع الوالدان خلف ابنهما الذي اعتقد أنه فهم كل شيء.... تقريبًا.

 


 

سناء شباني