الجزاء قصة مستوحاة من أسطورة شعبية جزائرية

الجزاء قصة مستوحاة من أسطورة شعبية جزائرية

رسوم: مكي سفيان

في بيت بسيط متواضع, كانت تعيش بنت يتيمة الأم مع زوجة أبيها وابنتها, وكانت البنت اليتيمة وهي الكبرى جميلة, ذكية, ماهرة, تحب الخير للناس, أما الأخرى, فكانت كسولة, ومغرورة بنفسها, وكانت زوجة الأب تحب ابنتها وتفضلها على ربيبتها الجميلة.

وفي يوم من الأيام, كانت جميلة تغزل الصوف بجانب البئر, ودون أن تشعر, سقط منها المغزل في البئر, ولما سمعت زوجة أبيها الخبر, قالت لها بغضب: انزلي إلى البئر واحضري المغزل.

جميلة: ولكن يا....

زوجة الأب (تقاطعها) : دون اعتذار ولا مقدمات.

نزلت جميلة مرغمة وهي تبكي, خائفة, ومن شدة الخوف, انزلقت قدمها فسقطت, وأغمي عليها, ومرت ساعات وهي على تلك الحال, وعندما استفاقت وجدت نفسها أمام قزم يقف مبتسمًا لها, وهي في وسط حديقة واسعة, بها طيور مختلفة تغني بأصوات بديعة, وكأنها سيمفونية, وفجأة شاهدت نارًا وأمامها ثلاثة طيور, اقتربت جميلة من الطيور, وإذا بها تسمع صوتًا يصدر من ناحيتها:

يا أجمل البنات ابعدينا عن النار, إننا نكاد نحترق.

سمعت البنت صوت الطائر, فأبعدت الطيور عن النار, وشكرتها على ذلك, وواصلت سيرها برفقة القزم حتى رأت شجرة بها تفاح كثير, وقد مالت أغصانها حتى كادت أن تلامس الأرض, وما إن وصلت إلى الشجرة حتى سمعت صوتًا يقول:

أرجوك, أرجوك, إذا سمحت يا جميلة, اقطفي هذا التفاح الذي أتعبني ويكاد يكسر أغصاني.

نفذت جميلة طلب الشجرة وقامت بوضع التفاح في مكان نقي نظيف, وقالت لها الشجرة:

شكرًا يا جميلة...

تركت جميلة التفاح والشجرة, وراحت تمشي وتمشي, فاختفى القزم الذي اندهشت لاختفائه بهذه السرعة, وواصلت سيرها حتى شاهدت بنتًا صغيرة جالسة بجانب عجوز أسنانها طويلة كأسنان المشط, شكلها يخيف النمر والذئب, ارتعشت أطراف جميلة والدموع تسيل على خديها, وحاولت تجنبهما, لكن العجوز ضحكت وقالت لها وهي تتقدم منها: لا تخافي, تعالي اقتربي أيتها الجميلة.

وفي الوقت الذي سمعت فيه جميلة كلام العجوز, شعرت بطيبة قلبها, وسارت معها وجلست قرب البنت الصغيرة.

ومرت أيام وهي معها, وكم كانت سعيدة ومسرورة بوجودها معها.

جميلة: أنا أريد أن أذهب إلى بيتي, أذهب إلى أمي وأختي, إني مشتاقة لرؤيتهما.

العجوز: أنا موافقة ولكن بشرط.

جميلة: ما هو شرطك يا جدتي?

العجوز: قبل رجوعك, لابد من مكافأتك.

جميلة: مكافأتي...! على ماذا?

العجوز: على حسن أخلاقك...وتعبك معنا.

قدمت العجوز مكافأة لجميلة ودلّتها على طريق الخروج, ولما وصلتا أمام باب كبير قالت لها: اخرجي من هنا يا بنيتي, واتبعي هذا الطريق المستقيم إلى أن تصلي عند أهلك.

وبمجرد أن خرجت جميلة, أغلقت العجوز وراءها الباب, ونظرت جميلة إلى اللباس الذي ترتديه, وإذا بها ترتدي لباسًا جديدًا جميلاً, لم تر أحسن منه من قبل, وبيدها كيس فتحته فوجدت بداخله أنواعًا من الذهب, الأصفر, الأحمر, ونقودًا ذهبية, فراحت تسير بخطوات سريعة حتى وصلت إلى البيت, ولما دخلت الحديقة, رآها خروف فصاح بصوت عال:

جميلة وصلت...كم هي جميلة رائعة!

وتقدم منها وهو يحك رأسه على يدها, وخرجت زوجة أبيها, ولما شاهدتها توقفت في دهشة وتعجب, تقدمت منها جميلة وقبلتها بحرارة.

جميلة: كيف حالك يا أمي? أين هي أختي الصغيرة?

زوجة الأب: من أين لك هذا الفستان يا حبيبتي? وماذا يوجد بهذا الكيس?

جميلة: هذا الكيس لك, به نقود وذهب.

زوجة الأب: لي...أنا...?

جميلة: ادخلي إلى البيت وسأقص عليك كل الحكاية, من بدايتها إلى نهايتها.

وقصت جميلة الحكاية من البداية إلى النهاية, وزوجة أبيها تتابع حديثها باهتمام شديد, وتظاهرت لها بالأسف على ما حصل منها يوم سقوط المغزل في البئر, وأجبرتها على النزول والبحث عنه, وبعد صمت طويل, فكرت الأم أن تبعث ابنتها الكسولة حتى تأتي لها بالذهب واللباس الجديد, وفي اليوم الثاني, شرحت الأم لابنتها كيف تعامل الشجر والطيور والعجوز, وكل ما تجده في طريقها, ثم أنزلتها بحبل إلى داخل البئر, وراحت تمشي وتمشي, وشاهدت كل ما ذكرته لها أمها, لكنها نسيت كل ما قالته لها, وقابلت العجوز ولم تساعدها في أي عمل ولو مرة واحدة, وعندما طلبت العودة لأهلها, صبغتها باللون الأسود وأخرجتها من الباب الكبير بعد أن دلتها على طريق ملتوٍ, وأغلقت الباب خلفها, ولم تصل إلى البيت إلا بعد مشقة وعناء جزاء لكسلها وأنانيتها.

 

 


 

عمر قادري