أسدان

أسدان

رسوم: مصطفى رمزي

قال الأسد الأول:

يقول الكبار للصغار إن الأسد هو ملك الغابة من أين أتى الكبار بهذا الكلام?

لا أعرف.

لكنه جعل الأطفال يتخيلونني دائما بتاج ذهبي على الرأس, وأحيانًا بعباءة على الظهر ألست ملكًا?

لا لست ملكًا! فليست لي حاشية أو خدم أو قصر أو عرش. بالعكس, فأنا أخدم نفسي بنفسي, أخرج في رحلات للصيد وأبحث عن طعامي. أنا أجد وأشقى كي أعيش, أسكن في الكهوف وأحيانًا في العراء وسط السافانا.

أسمعتم من قبل عن ملك ينام في العراء?

لذلك لا تصدقوا تلك القصص البلهاء التي تحكى عني كملك, حينما تراني على عرشي بملابسي الملكية وحولي الحاشية من حيوانات الغابة الأخرى, أحكم بينهم وأفصل في قضاياهم ومشاكلهم هراء!

هل تتوقع أن أطيق رؤية زرافة تشكو جارتها دون أن أطبق على رقبة الاثنتين?!

إنكم طيبون سذج!

الأسد يجب أن يكون متوحشًا, يزأر فتهتز الغابة وتهرب الطيور من الفزع.

عااااااااااااوووووووووووووو!!

هل تعرفون ماذا يغضبني? إنه ذلك الأسد الذي يسكن في الجانب الآخر من النهر.

أسد سمين كسول طيب ومسالم. لا يزأر ولا يعادي أحدًا.. ولا يأكل اللحم, تخيلوا! أسد لا يأكل اللحم ويكتفي بالخضراوات والفواكه!

ولأنه مسالم ولا يصطاد, فهو يعيش وسط قطعان الغزلان والحمار الوحشي, ينام مبكرًا ويستيقظ متأخرًا, ويحظى بحب الحيوانات وعطفها.

إن سمعة الأسود صارت في الحضيض بسبب هذا الأسد, وقد صار من المحتم عليكم فعل شيء.

قال الأسد الثاني:

صباح الخير!

كم الساعة الآن?!

هااااااوم! إن الشمس تتوسط السماء, تبدو وكأنها الثانية عشرة.. فلأنم قليلاً بعد!

قالت الزرافة ذات البقعة البنية الكبيرة على ظهرها:

الأسد عدو الزرافة الأول عبر كل العصور, أكثر ما تخشاه الزرافة وتتجنبه هو الأسد. فله ولع خاص بالإمساك بها من رقبتها.

الأسد سريع, وأرجلي طويلة ورفيعة وتكوين جسمي لا يساعدني كثيرا على الهرب منه.

إن قطيع الزرافات الذي أسير معه لا يخشى شيئًا أكثر من ذلك الأسد المتوحش الذي يسكن في الكهف جوار السنديانة, ومن نوبات زئيره التي تهز الغابة.

كنا نعيش في رعب دائم, وفكرنا كثيرًا في الارتحال عن المكان, إلى أن تصادقنا مع الأسد الآخر الذي ينام جوار النهر.

في عمري لم أر أسدًا بمثل صفاته, فهو طيب جدًا ومسالم ولا يؤذي أحدًا, بل إنه يتناول الفواكه وأوراق أشجار التوت التي نقدمها له.

إننا نعيش في سعادة واطمئنان منذ قدوم هذا الأسد إلى منطقتنا, فمنذ قدومه والأسد الآخر لا يعبر النهر إلينا لأن كل أسد لا يستطيع أن يتعدى على منطقة الأسد الآخر وإلا اعتبر معتديًا ونبذ من قبيلة الأسود. إن سعادتنا لا توصف.

حتى القرد ذو الشعرة البيضاء يفكر في الهجرة إلى منطقتنا.

قال القرد ذو الشعرة البيضاء:

أنا لا أعبأ بهذا الأسد أو ذاك, بل أنا أسكن السنديانة التي بجوارها كهف الأسد المتوحش.

إنه لا يجرؤ على مضايقتي منذ أن أصبته بالجنون يوم حاول اصطيادي صرت أتقافز كالقرد - ألست قردًا? من مكان لآخر وهو خلفي, ولم يستطع أن يمسكني أبدًا إلى أن تعب وجلس مكتئبًا على الأرض, وأنا أضحك.

الآن صار يكتفي بالزئير حين يراني.

هل قالت لكم تلك الزرافة أنني أريد أن أسكن عندهم?

لا تصدقوها فمن ذا الذي يصدق زرافة بلهاء?!

قال الأسد الثاني:

صباح الخير!

كم بلغت الساعة الآن? لا أعرف, لكن لم يعد باستطاعتي المزيد من النوم!

أنا أعرف أن الأسود كلها تعتب علي كسلي لقد تركت قبيلتي ورحلت إلى هنا لأنني أرفض باستمرار أن أشترك معهم في الصيد. أنا لا أطيق منظر الدم ولا أحب طعم اللحم النيئ. إن غضب القبيلة عليّ جارف لأنني أصادق الفرائس ولا أفترسها, كما أنهم مغتاظون لأنني أسير وسط قطعان الجاموس البري والحمار الوحشي دون أن تهرب مني, وكم توسلوا إليّ من أجل أن أخدع بعض أفراد القطيع وأقودهم إلى حيث تفترسهم القبيلة, لكنني دائمًا ما كنت أرفض.

كيف أخون أصدقائي?!

إن هذا ليس من شيم الكرام!

وهكذا طردتني القبيلة.

أنا لست حزينًا. أنا سعيد هنا!

يكفي أنني أحصل على كفايتي من النوم!

قال الأسد الأول: إن كرامة الأسود وهيبتها في خطر داهم, ولهذا اتخذت قراري بالتصرف.

عبرت النهر اليوم إلى حيث الأسد الآخر أردت أن أدفعه إلى الرحيل عن هنا, فلا يصح أن تعتاد الحيوانات على رؤية الأسود في هذا الوضع المزري. إن لم أتصرف مع هذا الأسد فلن تقوم لنا قائمة في الغابة.

ذهبت إلى حيث الأسد وهالني ما رأيت.

الأسد نائم وعلى رأسه تقف العصافير.

إلى جواره بواقي الخضراوات والفواكه تحوم حولها أسراب الذباب!

ثم الكرش, إن هذا الأسد يمتلك كرشًا كبيرًا لم يوجد من قبل لأحد من الأسود.

شعرت بالغضب الجارف يهزني. زأرت زئيرًا عاليًا مفزعًا فهربت الطيور واهتزت أفرع الأشجار. فرت أسراب الذباب بعيدًا

بينما ظل الأسد نائمًا!

هززته بيدي, عضضته في ساقه, شددت شعره, لكنه ظل نائما بالرغم من هذا!

ليس أمامي سوى حل واحد. وضعت فمي في أذنه وزأرت بأقصى ما أستطيع.

أخيرًا! لقد فتح نصف عين!

ماذا تريد?

قال الأسد الكسول:

أريدك أن تكون أسدًا حقيقيًا أو أن ترحل عن هنا.

أتركني في حالي.

لقد أسأت إلى سمعة الأسود وهيبتها في الغابة.

أنت عار على بني جنسك.

بل أنتم الذين جعلتم الغابة تكرهنا لحبكم في الدم.

هذه هي سنة الحياة. نحن خلقنا هكذا, ووجودنا ضروري لإحداث التوازن في الطبيعة لا يد لنا في هذا ويجب أن تقبله كما هو.

بل يجب أن تغير أنت من نفسك كما فعلت أنا.

إن ما فعلته أنت لشديد الخطورة إنك تقلب التوازن الطبيعي في الكون تخيل لو أن الزرافة أرادت أن تغير طباعها وقررت التهام الأسود!

لا أعتقد أن هذا سيحدث قريبًا, أتركني الآن لأن هذه المحادثة أرهقتني أحتاج إلى النوم بشدة!

يبدو أن التفاهم معك مستحيل وسأضطر للجوء إلى القوة لأطردك من هنا, وستعرف الآن كيف أن الكسل أضعف عضلاتك وأهمد قوتك سيكون القتال معك أسهل من صيد فأر برّي.

صار الغضب يتملكني الآن.

اتخذت وضع القتال.

انتفش الشعر في لبدتي.

وعيناي صارتا حمراوين كالدم.

هنا وقف الأسد الكسول وزأر.

كان زئيره ضعيفًا وخافتًا.

ولكن.

قالت الزرافة ذات البقعة البنية الكبيرة على ظهرها:

عرفنا أن الأسد المتوحش الذي يسكن الكهف قد جاء إلى المنطقة ليطرد صديقنا الأسد الذي ينام عند النهر لقد ارتعدت فرائصنا من الخوف ووقفنا بعيدًا خاصة عندما سمعنا زئيره المرعب. لكننا لم نكن لنترك صديقنا الأسد يواجهه وحده, خاصة أن كرشه الكبير يمنعه من الحركة السريعة.

وقفنا ننتظر, إلى أن زأر صديقنا الأسد طالبًا المساعدة ورأينا الأسد المتوحش يتأهب للانقضاض عليه. تحمسنا جميعًا وهرعنا لإنقاذ صديقنا كان المتوحش على وشك الانقضاض عندما رأى الجموع الغاضبة تحيط بالأسد الطيب, قطيع الجاموس البري كان يزمجر والغبار يتصاعد تحت أقدامه.

الغزلان البرية كانت تقف في تكتلات مبرزة قرونها والحمير الوحشية كانت تستعد للرفس.

حتى نحن - الزرافات - كنا نقف في الخلفية مستعدات للمعركة المقبلة التي كان من الواضح أنها ليست في صالح أسد الكهف.

قال أسد الكهف: مازال يمكنني أن أحارب, هل تعتقد أنك أخفتني هكذا?

قال أسد النهر: هل تريد أن تجرب?

قال أسد الكهف: توقف عن التبجح, أستطيع إذا أردت أن أقتل منكم في كل يوم خمسة إلى أن أفنيكم لكنني لن أفعل لأنني لا أحب أن أؤذي. أنا أقتل لآكل فقط, وإذا كنت شبعان فلا أصيد ولا آكل زيادة عن حاجتي. لا أحب أن أدخل في حرب تغيّر من طباعي. لذا أنا راحل عن هنا.

قال أسد النهر: بل أنا الذي سأرحل أنا وأصدقائي لنجد مكانًا آخر نستطيع أن نعيش فيه معًا بعيدا عن القتل والدم.

قال أسد الكهف: بل أنا الذي سأرحل.

قال أسد النهر: بل نحن الراحلون.

بعد سنوات طويلة, جاءت أفواج المستكشفين إلى الغابة, وتعجبوا لوجود مساحة شاسعة من الأراضي غير مأهولة بالحيوانات على جانبي النهر.

تعجب الناس. قال رجل: إنه السحر.

قال البعض إن وباء حل بالمكان.

وقال البعض الآخر إنها كارثة بيئية.

لكن وفرة الغذاء والماء كانت تكذب تخميناتهم جميعًا.

بحث المستكشفون, وفي كل المساحة المجاورة لضفتي النهر لم يجدوا سوى قرد ذي شعرة بيضاء يسكن وحيدًا فوق سنديانة!

 

 


 

ميشيل حنا