االشيخ .. والنمر (قصة من البيئة اليمنية)

االشيخ .. والنمر (قصة من البيئة اليمنية)

رسوم: محسن أبو العزم

تقع قريتنا الصغيرة الجميلة في حضن أحد الجبال الكبيرة العالية, وتحيط بها المزارع من كل الجهات, وفي هذا الجبل الذي يحتضن قريتنا, يعيش (نمر مفترس), كان الناس في القرية يتناقلون حكايات وأخبار هذا (النمر المفترس) الذي يعيش في الجبل.

البعض يقول إنهم يشاهدونه في بعض الليالي وهو ينزل من الجبل ويدخل إلى أحد المزارع لكي يشرب من بركة الماء الموجودة في المزرعة, ويقول آخرون إنهم يسمعون صوته ليلا حين يقترب من المزرعة.

كان شيخ القرية رجلا كبيرا في السن, وحكيما جدا ومحبوبا من جميع سكان القرية وقد أمر بعدم محاولة قتل النمر, بل وعدم مضايقته أو طرده من الجبل.

وكان شيخ القرية هذا يمتلك منظارًا مقربًا للرؤية, وبواسطة هذا المنظار كان يشاهد ويراقب تحركات هذا النمر المفترس في الجبل.

كان الناس في القرية يتعجبون من محبة هذا الشيخ الحكيم للنمر, ويستغربون من حمايته له خصوصًا وهو حيوان خطير ومفترس, وكانوا يتركون مزارعهم عند غروب الشمس, ويعودون إلى بيوتهم للراحة والنوم وهم مطمئنون على مزارعهم. وحينما يعودون إليها عند شروق الشمس يجدونها مثلما تركوها سالمة من العبث.

عاش أهل القرية سنوات طويلة وهم يتعجبون من حماية شيخ القرية لهذا (النمر المفترس), وعاشوا أيضًا مسرورين جدًا وحامدين الله, لأن مزارعهم طوال هذه المدة من السنين لم تتعرض للعبث الذي كانوا يسمعون عنه في بعض القرى الأخرى القريبة منهم.

وفي ذات يوم - عصيب - أصبح أهل القرية وتوجهوا إلى مزارعهم كعادتهم, فماذا وجدوا?

لم يجدوا مزارعهم سليمة مثلما تعودوا: فقد وجدوا الثمار مبعثرة, وبعض الأغصان مكسرة, ووجدوا بعض مساحات الأرض محفورة, وبعض النباتات الصغيرة خُلعت من مكانها.

تكدرت نفوس أهل القرية, وتحطم سرورهم نتيجة لهذا العبث الذي تعرضت له مزارعهم, فما كان منهم إلا أن توجهوا إلى شيخ القرية لمشاورته في هذا الأمر المحزن.

توجه الشيخ مع أهل القرية إلى مزارعهم, وشاهد هذا العبث على الطبيعة, ثم عاد إلى منزله وتناول منظاره المقرب وصعد به إلى سطح المنزل, وصعد معه مجموعة من أهل القرية.

أخذ الشيخ يحدق النظر إلى الجبل بواسطة هذا المنظار ويستطلع كل مكان فيه, وبعد برهة قصيرة من الوقت وضع الشيخ منظاره إلى جانبه, وأطرق برأسه قليلا وقد بدت علامات الحزن على وجهه, ثم عاد ورفع رأسه قليلا وأخبر أهل القرية أن (النمر) قد مات في الجبل, وقال لهم: إن القرود التي كانت تخاف من (النمر) قد عادت إلى الجبل, وإن قطيعا منها قد نزل إلى المزارع ليلاً وعبث بها.

 

 


 

علوي شملان