هذا قد يحدث!

هذا قد يحدث!

ترجمة: أسامه الورداني
رسوم: سحر عبدالله

كان يوما غريبا عندما استيقظ الناس ذات صباح فوجدوا أن كل شيء في العالم تحول الى اللون البنفسجي. كل شيء: السماء، والمحيطات والجبال والأشجار والحيوانات والبشر جميعهم تحولوا الى اللون البنفسجي. والأكثر غرابة أن هناك كائنا وحيدا في هذا العالم لم يتغير لونه الى البنفسجي هو طائر «أبو زريق»، ظل محتفظا بلونه الأزرق اللامع، لذلك وضعوه في قفص باعتباره الكائن الوحيد المختلف في العالم. بدا الناس مصدومين، بعضهم كان خائفا والبعض الآخر كان مندهشا، الأ أن هناك قلة اعتبرت ما يحدث أمرا مضحكا، وهكذا تنقل الناس من مكان الى مكان في عرباتهم البنفسجية، وقادوا دراجاتهم البنفسجية وجلسوا على أثاثهم البنفسجى وأكلوا أكلهم البنفسجي حتى الحلوى تحولت إلى اللون البنفسجي.

بالنسبه للفتيات كان الأمر مملا، أما بالنسبه للصبية فقد وجدوه أنيقا للغاية.

اجتمع الأذكياء بين علماء العالم ليناقشوا هذا الأمر، وتجادلوا فيما إذا كان تفسير ذلك يعود الى خطأ في عيون الناس أم أنها خدعة من خدع الطبيعة. أخذوا يتحاورون ويتدارسون ويفحصون ويعاينون ويكتبون المقالات واحدة بعد الأخرى ولكن بلا جدوى. أما الأشد غرابة فهو أن باقي الألوان لم تعد تعني أي شيء. فالأحمر الذي كان يعني الحب، والأبيض الذي كان يعني السلام، والأصفر الذي كان يعني الغيرة.. لم يعد له أي معنى. لم يعد يوجد سوى البنفسجي فقط. بعض الناس اعتبر انه أهم لون في العالم لأنه اللون الوحيد، بينما رأى البعض الأخر أنه بلا قيمة ولنفس السبب.تناقشوا وتباحثوا وتدارسوا وكتبوا الكتب وأنتجوا الكثير من الأفلام ليبحثوا مدى أهمية أو عدم أهمية اللون البنفسجي.

نعود الى طائر أبو زريق الأزرق، فقد اكتسب أهمية كبرى لكونه يملك القليل من اللون الأزرق في عالم مليء بالبنفسجي، وهو ما عكف الناس على مناقشته أيضا. قال البعض: من المؤكد أنه طائر متميز وخارق، بل إنه قد لا يكون طائرا أصلاً فهو الوحيد الذي احتفظ بلونه الأصلي.أما البعض الآخر فاعتبر أن كل ذلك خرافات وتفاهات بلا طائل وان هذا الأبو زريق مثله مثل أي طائر يأكل الحبوب ويشرب الماء وله الكثير من الريش، وبغض النظرعن لونه الأزرق الذي يميزه فهو طائر عادي ليس إلا.

مر عام على هذا التحول.. وفي اليوم التالي استيقظ الناس في الصباح ليجدوا ما هو أكثر غرابة فقد تحول العالم كله الى اللون الأصفر فيما عدا طائر أبوزريق الأزرق اللون. على أية حال لم يشعر الناس بفارق كبير فالعالم الأصفر لا يختلف كثيراً عن البنفسجي، وبدلاً من أن يطلقوا على الأشياء بنفسجية أطلقوا عليها صفراء. وفي كل الأحوال أدرك الجميع الآن مدى أهمية وتميز طائر أبوزريق الأزرق اللون،فهو الوحيد الذى مازال محتفظاً بلونه. وأخذ الجميع يتجادلون حول دلالة ذلك، واصطفوا في طابور طويل يمتد نحو ميل من أجل رؤية ذلك الطائر العجيب.

مر عامان تحول العالم خلالهما من اللون الأصفر الى البرتقالي ثم البمبي. إلا أن الطائر الأزرق ظل كما هو أزرق، وزادت حيرة الناس حول ما يحدث وحول هذا الطائر حتى جاء العام الخامس حيث تحول العالم إلى اللون الأزرق.

استيقظ الناس صباح هذا اليوم وأول شيء تساءلوا عنه هو أبوزريق. هل مازال أزرق اللون؟ نعم. وهذا ما أحدث تغيراً لأنه لم يعد هناك لونان للعالم بل لون واحد هو الأزرق، ولم يعد وجود طائر أزرق في عالم أزرق شيئاً مميزاً، ولم يعد الناس يرون في أبوزريق الأزرق شيئاً نادرا فهو أزرق مثل كل شيء ولذلك أهملوه، ولم يعد أحد يسعى لرؤيته وتوقفت الطوابير التي كانت تزوره.

في الشهر السادس من هذا العام قرروا أن يطلقوا سراح طائر أبوزريق خارج قفصه ورآه الناس يرفرف فى السماء سعيداً بعد أن أصبح حراً طليقاً.

وفي صباح اليوم التالي حدث ما لم يكن متوقعاً فقد رجعت الألوان إلى العالم. في بداية الأمر كان الأمر بدعة إلا أن الناس سرعان ما تناسوا أن عالمهم كان يوماً بنفسجياً ثم أصفر ثم برتقاليا ثم ذا لون بمبي وأخيراً أزرق. وعاد الناس يرمزون للحُب باللون الأحمر والسلام بالأبيض والغيرة بالأصفر. إلا أن ما لم ينسه الناس وظلوا يتعجبون منه هو طائر أبوزريق الأزرق، وظلوا يتساءلون: ترى إلى أين ذهب؟ وكيف حاله الآن؟، وأخيراً.. هل ما زال أزرق اللون؟

 

 


 

كارول مور