عِيدُ الشَّجَرَةِ.. قصة: محمد عز الدين التازي
عِيدُ الشَّجَرَةِ.. قصة: محمد عز الدين التازي
رسم: حلمي التوني أَخْبَرَنَا الْمُعَلِّمُ فِي آخِرِ الدَّرْسِ بَأَنَّ عِيدَ الشَّجَرَةِ فِي هَذَا العَامِ سَوفَ يُصَادِفُ يَوْمَ الْأَحَدِ الْمُقْبِل، وَدَعَانَا إِلَى الاِحْتِفَالِ بِهَذَا الْعِيد. سَأَلَهُ أَحَدُ التَّلاَمِيذ: - مَا هُوَ عِيدُ الشَّجِرة؟ فَرَدَّ عَلَيْهِ الْمُعَلِّم: - هو يَوْمُ زَرْعِ الأَشْجَار. وَسَأَلَهُ تِلْمِيذٌ آخَر: - وَكَيْفَ نَحْتَفِلُ بِهَذَا العِيدِ يَا أُسْتَاذ؟ فَقَالَ الْمُعَلِّم: - بِزَرْعِ الأَشْجَار. شَرَحَ الْمُعَلِّمُ مَغْزَى (هدف) هَذَا الْعِيد، وَهُوَ أَنْ يَتَطَوَّعَ التّلاَمِيذُ بِزَرْعِ الأَشْجَارِ فِي الْمَنَاطِقِ الْمُحِيطَة بِالْمَدِينَة. وَشَرَحَ دَوْرَ الْحِزَامِ الْأَخْضَرِِ الْمُحِيطِ بِالْمَدِينَةِ فِي حِمَايَةِ الْبَيْئَة، وَامْتِصَاصِ الْغَازَاتِ السَّامَّةِ الَّتِي تَنْفَثُهَا السَّيّاَرَاتُ وَالشَّاحِنَاتُ وَالْحَافِلاَت، وَتَلْطِيفِ الْجوِّ وَالْمُسَاهَمَةِ فِي اعْتِدَالِِهِ بِمَنْعِ الْأَتْرِبَةِ الَّتِي تَحْمِلُهَا الرِّيَّاحُ مِنَ التَّأْثِيرِ عَلَى نَقَاوَةِ الْهَوَاء. خَرَجَ التَّلاَمِيذُ مِنَ الْقِسْمِ وَهُمْ يُرَدِّدُون: - فِي يَوْمِِ الْأَحَدِ الْمُقْبِلِ سَنَحْتَفِل. - سَنَحْتَفِلُ بِعِيدِ الشَّجِرَة. - سَنحْتَفِلُ بِزَرْعِ الْأَشْجَار. فِي مَسَاءِ يَوْمِ السَّبْت، طَلَبَ الْمُعَلِّمُ مِنَ التَّلاَميذِ الَّذِينَ يَرْغَبُونَ فِي التَّطَوُّعِ أنْ يَنْهَضُوا إِلَى السَّبُّورَة، وَاحِدًا بَعْدَ الآخَر، لِيَكْتُبُوا أَسْمَاءَهُم. تَسَابَقُوا نَحْوَ السَّبُّورَة، فَدَعَاهُمْ إِلَى التَّنَاوُبِ وَالحِفَاظِ عَلَى النِّظَام. طَلَبَ مِنْ أَحَدِهِمْ أَنْ يَنْقُلَ الْأَسْمَاءَ الْمَكْتُوبَةَ عَلَى السَّبُّورَةِ إِلَى وَرَقَة، فَأَخَذَ الْوَرَقَةَ وَوَضَعَهَا في جَيْبِ سُتْرَتِه، ثُمَّ أَمْلَى عَلَيْهِمْ نَصَّ إِذْنٍ مِنَ الْأَبِ أَوِ الْوَلِيّ، يُحْضِرونَهُ مَعَهُمْ فِي الْغَدِ مُوَقَّعًا، وَحَدَّدَ لَهُمْ مَوْعِدَ الاِنْطِلاَقِ مِنْ بَابِ الْمَدْرَسَةِ فِي السَّاعَةِ السَّابِعَةِ صَبَاحًا، عَلَى أَنْ يَحْضُرُوا بِلِبَاسِهِمُ الرِّيَاضِيّ، وَأَنْ يُحْضِرُوا مَعَهُمْ قُبَّعَةً وَاقِيَّةً من الشَّمْس. عَادَ التَّلاَمِيذُ إِلَى بُيُوتِهِم، فَشَرَحُوا ِلآبَائِهِمْ وَأَوْلِيَّاءِ أُمُورِهِمْ كَيْفَ سَيَحْتَفِلُونَ فِي الغَدِ بِعِيدِ الشَّجَرَة، وَالْمَغْزَى مِنْ هَذَا الاِحْتِفَال. فَرِحَ الْآبَاءُ وَأَوْلِيَّاءُ أُمُور التَّلاَمِيذِ بِهَذِهِ الْمُبَادَرَة الطَّيِّبَة، وَوَقَّعُوا بِالْمُوافَقَةِ عَلَى أَنْ يُشَارِكَ صِغَارُهُمْ ِفِي حِمَايَةِ البَيْئَة. جَاءَ صَبَاحُ يَوْمِ الْأَحَد، وَتَجَمَّعَ التَّلاَمِيذُ عِنْدَ بَابِ الْمَدْرَسَة، فَنَظَّمَهُمُ الْمُعَلِّمُ فِي صَفٍّ وَاحِد، مَثْنَى مَثْنَى، وَطَافَ عَلَيْهِمْ يَسْتَلِمُ مِنْهُمْ مُوَافَقَةَ آبَائِهِمْ وأَوْلِيَّاءِ أُمُورِهِم. اِنْطَلَقَتِ الْمَسِيرَةُ بِحَمَاس، وَكَانَ عَدَدُ أَفْرَادِهَا يَفُوقُ الْعِشْرِين، حَتَّى وَصَلَتْ إِلَى مَوْقِعٍ خَارِجَ الْمَدِينَة، وَمَا هُوَ إِلاَّ أَرْضٌ قَاحِلَةٌ لا نَبَاتَ فِيهَا. هُنَاكَ الْتَقَى التَّلاَمِيذُ بِمَجْمُوعَاتٍ أُخْرَى مِنْ تَلاَمِيذِ الْمَدَارِسِ الأُخْرَى، يَقَودُهَمْ مُعَلِّمُوهُم، فَلَوَّحُوا لِبَعْضِهِمْ بِالْأَيْدِي، عَلاَمَةَ أَنَّ مَا يَجْمَعُهُمْ هُوَ هَدَفٌ وَاحِد: الاِحْتِفَالُ بِعِيدِ الشَّجَرَة، وَتَحْوِيلُ هَذِهِ الْأَرْضِ الخَلاَءِ إِلَى غَابَةٍ تَكُونُ كَالرِّئَةِ الَّتِي سَوْفَ تَتَنَفَّسُ مِنْهَا الْمَدِينَة. مَا اجْتَمَعَ جَمْعُهُمْ حَتَى وَصَلَتْ بَعْضُ السَّيَّارَاتِ إِلَى عَيْنِ الْمَكَان، فَنَزَلَ مِنْهَا أَشْخَاصٌ وُزِّعُوا عَلَيْهِمُ الْفُطُور، فَتَنَاوَلُوهُ بِفَرَح، فَقَدْ كَانَتْ هَذِهِ هِيَ الْمَرَّةُ الْأُولَى الَّتِي يَتَنَاوَلُونَ فِيهَا فُطُورًا جَمَاعِيًّا. وَبَيْنَمَا هُمْ يَتَنَاوَلُونَ الْفُطُورَ أَخْرَجَ أُوْلَئِكَ الْأَشْخَاصُ مَعَاوِلَ مِنْ خَلْفِيَّةِ السَّيَّارَاتِ وَوَضَعُوهَا عَلَى الْأَرْض، ثُمَّ قَامُوا بِتَحْدِيدِ بَعْضِ الْأَمَاكِن، عَلَى شَكْلِ دَوَائِر، بِوَاسِطَةِ مَسْحُوقِ الْجِبْس، وَهِيَ الْأَمَاكِنُ الَّتِي سَوْفَ تُحْفَرُ فِيهَا الْحُفَر، وَبِحَيْثُ تَكُونُ هُنَاكَ مَسَافَةٌ مُعَيَّنَةٌ بَيْنَ كُلِّ حُفْرَةٍ وَأُخْرَى. وُزعَتِ الْمَعَاوِلُ عَلَى الْمُعَلِّمِينَ فَوَزَّعُوهَا عَلَى التَّلاَمِيذ، وَشَمَّرَ الْجَمِيعُ عَنْ سَوَاعِدِهِم، حَيْثُ اشْتَرَكَ الْمُعَلِّمُونَ وَالتَّلاَمِيذُ فِي الْحَفْر، وَكَانَ الْمُعَلِّمُونَ يُحَدِّدُونَ عُمْقَ الْحُفَرِ لِتَسْتَوْعِبَ جُذُورَ الْأَشْجَارِ الَّتِي سَوفَ يَزْرَعُونَهَا. اِنْتَصَفَ النَّهَار، فَكَانَتْ كُلُّ الْحُفَرِ مُنْتَظِمَةً تَسِيرُ فِي اتِّجَاهٍ وَاحِد، على شَكْلِ خُطُوطٍ مُسْتَقِيمَة، تُوَازِي بَعْضَهَا. وَمَا تَمَّ ذَلِكَ حَتَّى أَعْلَنَ الْمُعَلِّمُونَ عَنْ وَقْتِ الاِسْتِرَاحَة. غَادَرَتْ تِلْكَ السَّيَّارَاتُ أَمَاكِنَهَا، وَمَا هُوَ إِلاَّ وَقْتٌ وَجِيزٌ حَتَّى عَادَتْ تَحْمِلُ طَعَامَ الْغَذَاءِ وَقَوَارِيرَ الْمِيَّاهِ الْمَعْدِنِيَّة. وُزِّعَ عَلَيْهِمْ طَعَامُ الْغَذَاء، فَتَنَاوَلُوهُ بِشَهِيَّة، وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ سَقِيمًا مُقِلاًّ فِي تَنَاوُلِ الطَّعَامِ فَقَدْ أَتَى عَلَى وَجْبَتِهِ كَامِلَة، وَمَنْ كَانَ لا يُحِبُّ تَنَاوُلَ الْخُُضَرِ فَقَدْ تَنَاوَلَهَا. كَانَ فَرَحُهُمْ كَبِيرًا بِأَنْ يَتَنَاوَلُوا تِلْكَ الْوَجْبَةَ جَمَاعِيَّا، مَعَ مُعَلِّمِيهِم. أقْبَلَتْ شَاحِنَةٌ تَحْمِلُ شَتَائِلَ الْأَشْجَار، وَسَرْعَانَ مَا تَوَقَّفَت، فَبَدَأَ الْعُمَّالُ يُنْزِلُونَ مِنْهَا الشَّتَائِل. قَالَ أَحَدُ التَّلاَمِيذ: - هَا هِيَ الشَّتَائِلُ التي سَوْفَ نَزْرَعُهَا قَدْ وَصَلَت. فَرَدَّ عَلَيْهِ أَحَدُهُم: - هِيَ نفْسُهَا الَّتِي سَتَكْبُر، وَتُصْبِحُ أَشْجَارا. وَقَالَ ثَالِث: - سَتَكْبُرُ الْأَشْجَارُ وَتَتَكَاثَفُ لِتُصْبِحَ غَابَة. وَقَالَ رَابِع: - وَالغَابَةُ سَتَكُونُ كَالرِّئَةِ الَّتِي مِنْهَا تَتَنَفَّسُ مَدِينَتُنَا. وَزَّعَ عَلَيْهِمُ الْمُعَلِّمُونَ الشَّتَائِلَ الصَّغِيرَةَ فَتَنَاوََلُوهَا بِرِفْق، وَأَخَذُوهَا مِنْ سِيقَانِهَا، وَبَدَأُوا يَغْرِسُونَهَا فِي الْحُفَر، شَتِيلَةً بَعْدَ أُخْرَى، وَمَا مَالَتِ الشَّمْسُ نَحْوَ الْمَغِيبِ حَتَّى كَانَتِ الغَابَةُ الصَّغِيرَةُ ظَاهِرَةً لِلْعِيَّان. قَالَ الْمُعَلِّم: - بَقِيَ أَنْ نَسْقِيَهَا. مِنْ خَلْفِيَّةِ الشَّاحِنَةِ ظَهَرَتْ عَرَبَةٌ مُخَصَّصَةٌ لِلسَّقْي، يَمْتَدُّ عَنْهَا صُنْبُورٌ، فَجَاءَ مَنْ فَصَلَهَا عَنِ الشَّاحِنَة، وَوَصَلَ الصُّنْبُورَ بِخُرْطُومٍ سَلَّمَ طَرَفَهُ الْآخَرَ إِلَى الْمُعَلِّم، فَقَامَ بِسَقْيِ الشَّتَائل. سَأَلََهُ أَحَدُ التَّلاَمِيذ: - يَا أُسْتَاذ، مَنْ سَيَسْتَمِرُّ فِي سَقْيِهَا؟ اِِبْتَسَمَ الْمُعَلِّمُ وقَال: - تَخَافُونَ عَلَيْهَا مِنْ أَنْ تَمُوتَ مِنَ الْجَفَاف؟ رَدُّوا جَمِيعًا: - نَخَافُ عَلَيْهَا يَا أُسْتَاذ. عَادَ الْمُعَلِّمُ يَبْتَسِمُ وقَال: - اِطْمَئِنُّوا يَا أَبْنَائِي. عَمَّالُ البَلَدِيَّةِ سَيَقُومُونَ بِسَقْيِهَا وَرِعَايَتِهَا. أَحْضَرَ التَّلاَمِيذُ آلاَتِ التَّصْوِير، فَالْتَقَطُوا صُوَرًا تِذْكَارِيَّةً مَعَ بَعْضِهِم، وَمَعَ مُعَلِّمِهِم، وَالغَابَةُ الصَّغِيرَةُ التي زَرَعُوهَا بِأَيْدِيهِم تَظْهَرُ أَمَامَهُمْ وَخَلْفَهُم. قَبْلَ أَنْ يُغَادِرُوا الْمَوْقِع، تَوَجَّهَ إِلَيْهِمُ الْمُعَلِّمُ بِالشُّكْرِ وَقَال: - لَقَدْ قُمْتُمُ الْيَوْمَ بِعَمَلٍ رَائِعٍ لِصَالِحِ الْبَيْئَة، وَغَدًا تَكْبُرُ الأَشْجَار، وَتَنْمُو الغَابَة، فَتَأْتُونَ لِلتَّنَزُّهِ فِيهَا مَعَ أُسَرِكُم. وَحِينَمَا تَكْبُرُون، وَيُصْبِحُ لَكُمْ أَبْنَاء، عَلِّمُوهُمْ حِمَايَةَ الْبَيْئَة، وَازْرَعُوا فِي قُلُوبِهِمْ حُبَّ النَّبَاتِ وَالخُضْرَة، وَتَخْلِيدَ عِيدِ الشَّجِرَة. نَظَّمَهُمُ الْمُعَلِّمُ فِي صَفٍّ وَاحِد، مَثْنَى مَثْنَى، وَأَخَذُوا طَرِيقَ الْعَوْدَةِ إِلَى بُيُوتِهِم، وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَجْمَلَ الذِّكْرَيَاتِ عَنْ عِيدِ الشَّجَرَة، وَكُلُّهُمْ شَوْقٌ لِأَنْ يَحُلَّ هَذَا الْعِيدُ فِي الْعَامِ الْقَادِم.
|