هدية الأب

هدية الأب
        

رسوم: عبد العال

          انتهت الأمُ من إعداد المائدة التى وضعت عليها كعكة كبيرة وفطائر شهية وأكواباً من العصير، وذهب محمود لينادي والده من الغرفة للاحتفال بالعيد، فقد كان اليومُ هو عيدُ ميلاد الوالد الذى يحتفلون به كل عام، يقوم محمود مع أخته سهى للإعداد له وشراء هدية لأبيهما وتستعد أمهما بصنع الكعك والفطائر وتحضير المائدة، كما تشارك فى اختيار هدية مناسبة للأب.

          خرج الأب من الغرفة سعيدا وهو يرى أسرته تحتفل بعيد ميلاده، فكما هو يعد لمناسبة عيد ميلاد ابنه وابنته الحبيبين وزوجته كذلك هم يفعلون معه، تحلق الجميع حول المائدة وهم يغنون بسعادة لأبيهم أن يديمه الله بينهم، وبعد الانتهاء من تقطيع الكعكة والفطائر وشرب العصير، قال محمود لأبيه:

          - الآن جاء دور الهدية يا أبي. وذهب بعدها الى طاولة فى ركن الصالة وأحضر علبة كبيرة جدا. اندهش الأب عندما رأى حجم العلبة، فقد توقع ككل السنوات الفائتة علبة صغيرة إما عليها ساعة جديدة أو حزام أو ربطة عنق أو عطر، فسأل محمود ودهشته لم تفارقه:

          - ماذا أحضرتم لى يا ترى هذا العام، هي هدية ضخمة كما أرى؟

          أجابه محمود:

          - افتحها يا أبي وسترى لقد اشتركنا أنا وأختي سهى هذا العام في شرائها لك وبالتأكيد ستعجبك،

          بدأ الأب في فض الظرف الملون بلهفة يأخذه الفضول ماذا أخضر له ابناه، وبداخل العلبة وجد زياً رياضياً بألوان جميلة وعلبة أخرى بجانبها حذاء رياضي، فقال بدهشة:

          -  شكرا جزيلاً على الهدية الجميلة، رغم أني لا أمارس الرياضة إلا انني أشكركما عليها.

          فقالت سهى:

          - يا أبي نعلم أنك لا تمارس الرياضة، ولذا أحضرناها لك لتبدأ بها.

          أجاب الأب:

          - حسناً حسناً، هناك إجازة نهاية الشهر لبضعة ايام سأحاول أن أمارس خلالها بعض الرياضة، فقد مضت سنوات طويلة على آخر مرة لعبت بها كرة قدم أو ركضت  في النادي.

          أجابته سهى:

          - كلا لا تنتظر نهاية الشهر يا أبي أرجوك، ابدأ في الغد صباحاً، نحن نريدك بجانبنا يا أبي ونحبك.

          اندهش الأب لكلام ابنته الصغيرة ورأى عينيها تلمعان بالدموع، وقال لها:

          - لماذا هذه العجلة يا ابنتي ولماذا أرى عينيك تدمعان يا سهى، وأضاف ضاحكا وهو يقرص أذنها:

          - ألأن الهدية كلفتكما الكثير من المال وتخافا أن تضيع هباء؟

          أجابت سهى:

          - لا نريد أن نراك مريضا كوالد أمجد صديق محمود.

          استغرب الأب من رد ابنته والتفت الى محمود مستفهما منه وسأله:

          - ماذا جرى لوالد صديقك أمجد يا محمود؟ وما دخل هذه الهدية بمرضه؟

          أجاب محمود: تغيّب صديقي أمجد في الأسبوع الماضي عن المدرسة لعدة أيام، وعندما عاد لمواصلة الدراسة رأيته يبدو حزينا للغاية لا يلعب معنا ولا يضحـك وأهمـــل دروسه، وعنــــدما سألــــته «مـــــاذا بك يا أمجد، لماذا تبدو حزينا هكذا؟ لقد افتقدناك كثيرا في الفصل وفي الملعب»، أجابني أمجد «لقد أصيب أبي بمرض في القلب، وأصبح طريح الفراش لا يتحرك إلا قليلا كما أنه يصعب عليه الكلام ولم يعد قادراً على الذهاب الى عمله أو اللعب معنا أو قيادة السيارة ليذهب معنا الى الملاعب أو السوق أو زيارة الأهل، لقد تغيرت حياتنا كثيراً، كثيراً ما أبكي وأنا أرى أبي الحبيب ضعيفا في الفراش يحتاج الى المساعدة في أقل حركة.

          فسألته يا أبي «قد يشفى أبوك يا أمجد قريبا ولكن ما سبب مرضه؟، ألم تسأل الطبيب عن ذلك؟»، فأجابني أمجد قائلا «لقد قال لي الطبيب إن أبي سيظل طريح الفراش شهوراً طويلة، وبعدها لن يكون بكامل صحته لذا عليه أن يكون حذراً في حركته وطعامه وشرابه، وعليه كذلك أن يوقف التدخين، فقد قال الطبيب إن سبب مرض أبي هو عدم ممارسة الرياضة والتدخين الكثير».

          وأمسك محمود بيد أبيه وكذلك فعلت سهى بجانبه وأضاف:

          - أخبرت أختي سهى بما جرى لوالد صديقنا أمجد ورأينا أنك مثله لا تمارس الرياضة وتدخن كثيرا ونخشى عليك أن يصيبك ما أصاب والد صديقنا أمجد، لذا أخرجنا كل مدخراتنا وأضافت لنا أمي نقوداً مما تبقى وأحضـرنا لك يا أبي هذا الزي الرياضي والحذاء لتبدأ في ممارسة الرياضة، أرجوك يا أبي أن تبدأ ممارسة الرياضة غداً صباحاً، سنوقظك أنا وأختي غدا في الصباح الباكر لتركض على الأقل في الشارع أمامنا فالركض هو أهم أنواع الرياضة مفيد للقلب والصحة وقد قرأت أن رياضة الصباح جيدة فالجو يكون صحواً، كما أنه لا يوجد ازدحام في الصباح.

          وأضاف بتوسل:

          - أرجوك يا أبي، نحن نحبك كثيرا لا نريد لك أن تصاب بأي مرض، نريدك أن تبقى بيننا تخرج معنا تتسامر معنا وتكون معنا دائما، فكما أنت تقلق علينا عندما يصيبنا المرض كذلك نحن نقلق عليك ونريد أن نراك في أتم صحة بقربنا.

          أغرورقت عينا والدهما بالدموع وهو يرى ابنه وابنته الحبيبين ممسكين بيديه قلقين على صحته، وزوجته تنظر إليه أيضا وتحمل عيناها القلق والتوسل بأن يجيب بنعم، وأجابهما:

          - شكرا لكما وعلى اهتمامكما بي، هذه أحلى هدية تلقيتها في حياتي، فهي تحمل حبكما الصادق لي واهتمامكما بي، حسناً، صباح الغد سأبدأ في الركض وستذهب أنت أيضا معي يا محمود، لماذا لا نمارس الرياضة معا، أعلم أن الرياضة مفيدة جدا ولكن العمل شغلني عنها وأهملتها، وإذا تعودت عليها أنت أيضا يا محمود منذ الصغر سيكون جيداً فلا تهملها مثلما فعلت، أما أمك وأختك فيمكنهما ممارستها هنا في البيت أو أن تشتركا في النادي.

          ابتسمت الأم وسهى ومحمود لاقتراح الأب، وعرفوا أنه أجاب الهدية بهدية مثلها في وقت وجيز، فهو لا يكف عن اهتمامه بأفراد الأسرة.

          وقام الأب بارتداء الزي الرياضي والحذاء ونظر للمرآة بإعجاب، فمنذ وقت طويل جدا لم يرتد أي زي رياضي، وأخذ يقفز قفزات صغيرة في الصالة أمام أسرته ليؤكد لهم أنه لايزال يحتفظ بلياقته، فضحكوا بسعادة وهم يرونه متحمسا، وصاح محمود فجأة: آه يا ابي لقد نسيت شيئاً، وركض الى غرفته وعاد وهو يحمل لوحاً أبيض صغيراً بين يديه، وسأل أباه: خمن ماذا يوجد على هذا اللوح؟

          اندهش الأب وتساءل: ماذا أيضا يا محمود؟ ماذا بهذا اللوح؟

          قلب محمود اللوح ليرى الأب الجانب الآخر منه وقرأ الأب عبارة «نرجوك يا أبي أن توقف التدخين»، ومن تحت العبارة توقيع صغير قرأه «أسرتك التى تحبك».

          اقترب الأب من محمود وحمل منه اللوح ليقرأه بإعجاب وأغرورقت عيناه بالدموع،

          فخاطبه محمود وهو يشير بإصبعه الى مكان بالصالة:

          - لقد قررنا جميعا أن نقوم بتعليق هذا اللوح أمام هذا المقعد الذى تحب الجلوس عليه كل مساء لتدخين السيجارة، وكلما هممت بإخراج السيجارة سترى اللوح أمامك وتقرأ ما به حتى تكف عن التدخين، التدخين مضر جداً يا أبي كما تعلم، أرجوك أن توقفه، نحن نحبك ونريدك بأتم صحة وعافية.

          لم يجب الأب بل سارع بفتح يديه ليحتضن ابنه وابنته الى صدره بقوة ويقول لهما:

          - شكرا لكما، أعدكما أني سأتوقف عن التدخين، وسأمارس الرياضة لأكون بجانبكما بصحة وعافية وأرعاكما بما فى وسعي وأراكما تكبران أمامي وتنجحان وتفرحان. أجمل ما أعجبني فيكما أنكما تفعلان ما تتعلمانه وتلاحظانه من حولكما ولا تكتفيان بالنظر والكلام فقط، أتمنى أن تكونا كذلك فى كل حياتكما لا تكتفيان بالكلام أو التعليق على ما تريانه من خطأ حولكما، بل تفعلان ما بوسعكما لتصحيحه.

          شعر الجميع بسعادة في نهاية هذا اليوم، يوم عيد ميلاد الوالد الحبيب.

 

 


 

شذى مصطفى