واحة الفن الجميل.. بلال بصل

واحة الفن الجميل.. بلال بصل

تصوير: الفنان / بلال بصل

سيرجيو توبي

خطوط سوداء تتراكم بعضها فوق بعض، لترسم مشهداً رائعاً من السواد والبياض، تزينه من وقتٍ لآخر بعض الألوان، يأخذك أحياناً إلى قصص ألف ليلة وليلة، وأحياناً أخرى إلى تاريخ حضارة من الحضارات، فيمتزج التاريخ بسحر الرسم المتقن جداً، والذي لا يحده ذاك الإطار التقليدي الذي عهدنا رؤيته في صفحات القصص المصورة الأوربية، ليطير حراً في فضاء المساحة البيضاء، ويخلد في إحدى صفحات كتب الرسام والمؤلف الإيطالي الكبير، في اسمه وسنه، إنه سيرجيو توبي، أحد كبار رسامي الكتب المصورة في أوربا.

كان لقاؤنا الخاص في أحد الفنادق المطلة على نهر السين في جادة السان ميشال في باريس، الذي يقع على مقربة من الصالة التي تضم معرضاً خاصاً له بمناسبة صدور كتابه الأخير، وبالرغم من أنه كان متعباً ويستعد للسفر، إلا أن توبي خصص وقتاً لهذه المقابلة، التي تهدف لتقديمه إلى آلاف القراء العرب، الصغار والشباب، فاستقبلني بكل محبة مع صاحب دار النشر موسكيتو، الذي لعب مشكوراً دور المترجم بيني وبين توبي، البالغ من العمر 76 عاماً، تزينها خبرة ومهارة صقلها هذا الفنان عبر سيرته الفنية الطويلة مع الرسم والتأليف.

بدأ سيرجيو توبي رحلته في مجال القصص المصورة مع مجلات الأطفال الإيطالية، فرسم للكثير منها قبل أن ينتقل لمرحلة أخرى في السبعينيات، شارك من خلالها في سرد تاريخ فرنسا، وهذا ما أسهم حينها في إشهار اسمه عند المهتمين بالفن التاسع (القصص المصورة) في فرنسا، وبعدها ابتكر هذا الفنان في مطلع الثمانينيات، أسلوب رسم جديداً خاصاً به، قام بنشره في أشهر الصحف الإيطالية، وراح يطوره يوماً بعد يوم عبر كتبه المصورة، حيث يعتبر كل واحد منها تحفة فنية، اعتنى توبي بتأليفها ورسمها بكل متعة وحب، واستغرق العمل عليها أياماً طويلة، فيخبرني أن الرسم عنده ليس عملاً، بل هواية يمارسها يومياً لساعاتٍ طويلة، فقد أحب الرسم منذ كان صغيراً، وكان يتابع مجلات الأطفال باستمرار، ويقرأ الكثير من الكتب والقصص الخيالية، وهذه نصيحة وجهها لجميع الصغار والشباب الذين يحبون الرسم، أو يرغبون أن يصبحوا رسامين كباراً يوماً ما... أن يمارسوا القراءة دائماً، لأنها تساعد كثيراً في بناء مخيلة الرسام، وتأكيداً على هذا الأمر، أحد أهم الكتب الذي ألفها ورسمها سيرجيو توبي، هو كتاب شاراز دي ، أي شهرزاد، الذي حقق نجاحاً باهراً عند القراء والنقاد معاً، فهذا الكتاب يتحدث عن أشهر القصص الخيالية، إنها قصة الملك شهريار وحبيبته شهرزاد التي تروي له قصة جديدة كل ليلة على مدار ألف ليلة وليلة، وهنا أجاب الرسام عن سؤالٍ طرحته عليه، أطلب من خلاله رأيه في رسامي القصص المصورة العرب، فقال: «أكن لهم كل المودة، وانصحهم بأن يحافظوا على هويتهم في رسومهم، مهما عالجت هذه الرسوم من مواضيع مختلفة، فعلى سبيل المثال، سعدت أن أقدم من خلال أسلوبي الخاص قصص ألف ليلة وليلة، التي تضمنت الأجواء العربية والأزياء الشرقية الجميلة». وتابع الفنان حديثه معبراً لي عن مدى حبه للاطلاع على التراث الشرقي والحضارة العربية، فهو يطلع خلال رسمه لأي كتاب، على الكثير من المصادر، ويعالج الكثير من الرسوم قبل تأليف الرسم النهائي الذي يشاهده القراء، ويشدد هنا على أن الرسام يجب أن يبحث عن الكثير من المصادر المتعلقة بالموضوع الذي يتحدث عنه في رسومه، وهذا يساعد في بناء رسم قوي، ويبتسم حينما يبحث عن حظ الرسامين حالياً مع الإنترنت، الذي سهل عليهم البحث ووفر لهم الكثير من العناء الذي كان يعانيه هو وأبناء جيله في البحث عن الصور أو المعلومات، والذي أصبح أسهل بكثير حالياً مع التقنية الحديثة.

في بداية العام 2008، تم تكريم سيرجيو توبي من خلال معرض ضخم أقيم له في مهرجان أنغولام العالمي للقصص المصورة في فرنسا، وفي آخر لقائي معه، سألته عن جوابه في حال تمت دعوته ليعرض أعماله في أي بلد عربي، فتكون مناسبة ليتعرف عليه الشباب العربي، فأجابني قائلاً، وتواضع الكبار ترسمه ابتسامة خفيفة على وجهه: «هذا يشرفني».

 


 

بلال بصل

 




رسام كتب الأطفال Sergio Toppi











سيرجيو توبي وبجانبه مجلة «العربي الصغير»











غلاف أشهر كتبه عن قصص «ألف ليلة وليلة»





سيرجيو توبي وبلال بصل