أدباء الغد

أدباء الغد
        

بين الرّيف والمدينة

          الحياة في المدينة كثيرة الروتين، فالأشياء والأعمال لا تتغير، دائماً نفسها، الناس في عجلة من أمرهم والهواء ملوّث، كل هذا يجعلنا نملّها، ولهذا السبب تغمرني الفرحة والسرور حين تسنح لي الفرصة بزيارة الريف الهادئ الذي لم تمسّه يد الإنسان الآثمة. عندما حلّت عطلة الربيع، فوجئت ببرقية أرسلتها عمتي الحبيبة، وعندما ألقيت عليها نظرة شاملة وجدت أن عمتي تدعوني لزيارتها بالريف.

          فرحت كثيراً خاصة أنني أميل لبنات عمتي هذه، قررت مفاتحة أبي بالموضوع مستغلة نجاحي في الامتحانات. مساء ذلك اليوم. قلت لأبي متلهفة: «يا أبي، لقد تلقيت برقية من عمتي تستدعيني فيها لزيارتها، فهل أنت موافق؟».

          أطرق أبي مفكراً قليلاً، ثم قال لي: «حسناً أنا موافق، شرط أن تنصتي لكلام عمتك». قلت وقد تلألأت على شفتي ابتسامة عذبة: «شكراً لك يا أبي. لقد خلّصتني من عيشة المدينة لمدة أسبوع على الأقل». استعددت للسفر كل الاستعدادات اللازمة ومن ثم بدأت أمي تنصحني بفعل هذا وعدم فعل ذاك، أما أنا فكنت سارحة أفكر في مناظر الريف. وفي اليوم الموعود، أخذني أبي إلى محطة القطارات، وهاقد أتى القطار المنتظر، ودّعت أبي وركبت القطار وها أن العد التنازلي بدأ للوصول إلى منزل عمتي، وبعد ثلاث ساعات تقريباً وصلت إلى المكان المقصود، فوجدت زوج عمتي بانتظاري، خيّل لي أنني سأجد سيارة يملكها زوج عمتي مثل جل (معظم) الناس في المدينة، ولكن لم أجد سوى دراجة نارية لشخصين.

          هاقد وصلنا الآن، فرحت بي عمتي واستقبلتني أحسن استقبال، كيف لا وهي لم ترني منذ مدة طويلة. أدخلتني غرفة جميلة وقدّمت لي مشروبات لذيدة وبعض البسكويت المصنوع على يديها.

          لم أستطع الانتظار بالرغم من أن عمتي ألحّت علي بالبقاء في المنزل قصد الارتياح. ناديت ابنتي عمتي للخروج والتنزه والتمتع بالمناظر الخلابة. عندما وصلنا إلى الحقول الشاسعة لم أكد أصدّق عيني لما رأيت من مناظر تحيّر العقول وتستخرج العجب وتأخذ باللب (العقل)، وتعلّم الفنانين فنهم، وترقي ذوقهم وتلهمهم الإبداع في التنميق والإجادة في التزويق. أحسست أن الأرض تمد يديها لتحضننا، فتفتحت قواي وانطلقت في أرض الله الواسعة أطارد العصافير والفراش. وكان يتناهى (يصل) إلى سمعي صوت شدو الطيور وخرير المياه المترقرقة، ونعيق الضفادع وحفيف أغصان الأشجار. كان الهواء النقي المعطّر بروائح الورد والياسمين يبعث فيّ روحاً جديدة.

          أقمت مسابقة مع ابنتي عمتي في تسلّق الجبال الشاهقة، طبعاً لن نصل إلى قمتها ولكنها ترفيه ورياضة في الوقت نفسه، عندما تبدأ الشمس تجمع ذيولها وتلمهّا من الشفق الأحمر، نعود إلى المنزل مرهقات، وقبل النوم تحكي لنا عمتي خرافة ممتعة حتى ننام. مرّت العطلة مرور السحاب، جمعت ثيابي ووضبتها وأخذت معي بعض الأكلات من صنع عمّتي.

          ودّعت عمّتي قائلة: عمّتي، لقد قضيت معكم وقتاً رائعاً. عدت إلى مدينة تونس أدراجي وأنا أمني نفسي بزيارة أخرى قريباً.

          لله ما أحلى حياة الريف وما أطيب أهله!

مها الواسر - إلهام القصوري - سارة صفر
تونس

 


 

   

 




رسم: ابتسام خيار - المغرب