فَرَحٌ تحْلمُ بالطيران!

فَرَحٌ تحْلمُ بالطيران!
        

          لن تنسى ابنتي (فرح) هذا اليوم أبدًا!

          في الصَّباح الباكر، وبعد وصولنا إلى مدينةِ برلين عاصمةِ جمهوريةِ ألمانيا الاتحادية، وسطِ قارة أوربا، رأت فرح إعلانا كبيرًا في الصحيفةِ التي جاءتْ مع وجبة الإفطار. لم تفهمْ فرح ماذا يقول الإعلان، لأنه مكتوبٌ باللغة الألمانية التي لا تعرفها، لكن الصورة أخبرتها أن هناك مكانًا ممتعًا: كان هناك منطادٌ ملوَّنٌ يعلوهُ ديكٌ يؤذِّنُ!

          قلتُ لها وأنا أترجمُ كلماتِ الإعلان (Der Traum Vom Fliegen) إن معناها «حلم الطيران». قالت فرح وهي مبتهجة:

          «الآن عرفت أين نتجه اليوم!»

          إلى معرض «حلم الطيران».

          اخترنا أن نذهب عند الساعة الواحدة، وأن نظل هناك حتى موعد الإغلاق.

          في الموعد الذي حددناه كنا على بوابة المعرض المقام في دار الثقافة والفنون. دفعنا الرسوم التي لم تتجاوز من العملة الأوربية الموحّدة 5 يوروهات لكل منا. في أول الأركان جلسنا مع مجموعة من الزوار نستمع إلى فكرة المعرض.

          قالت فرح للدليل الذي يتحدثُ باللغة الإنجليزية:

          «إن العربيَّ عباسَ بن فرناس الذي عاشَ قبلَ أكثر من ألف عام بمدينةِ قرطبة في الأندلس (مملكة إسبانيا الآن)، حاول الطيرانَ بربطِ ريشٍ إلى ذراعيهِ!».

          ابتسم الدليلُ وأجاب:

          «إن محاولة عباس بن فرناس كانت لها محاولاتٌ مماثلة. فقبل اختراع الطيران الحقيقي بالمناطيد والطائرات فكَّر الإنسانُ في أن يقلدَ الطيورَ والحشراتِ الطائرةَ بنفسه، فأضاف جناحين إلى جسمه، وصعدَ إلى مكانٍ عالٍ، ثم قفز. لكن جسم الإنسان كان أثقل من الهواء، لذلك أصبحت الفكرة الأساسية في الطيران هي التغلب على ثقل الجسم».

          في المعرض بدأوا بأول حلم للطيران بالريش، ورأينا عملاً فنيًا ذكرنا بعباس بن فرناس قائد الطيران، واختتموا بمحرك طائرة نفاثة ابتكرته شركة «رولز رويس».

          المعرض كان عبارج عن مجموعة من الصور، والخرائط، والمنحوتات، واللوحات، والمبتكرات. في ركن آخر شاهدنا رسومًا للفنان والمخترع الإيطالي ليوناردو دافنشي الذي ولد وعاش بإيطاليا (1452 - 1519م)، وهو مشهور بأنه رسم لوحة الموناليزا، لكنه معروف أيضا بأنه أول عالم فكر في اختراع للطيران يقلد به حشرة اليعسوب. لكن فرح توقفت مثل التمثال أمام آلة تشبه لعبة حديدة دائرية كالأرجوحة. قال لها دليل المعرض إن هذه الآلة تشبه الجهاز الذي يتدرب عليه الملاحون في الفضاء، الذين يسافرون إلى القمر:

          «هذه الآلة تقدم تجربة انعدام الوزن، التي يحس بها رواد الفضاء، فالإنسان على سطح القمر يكون وزنه سُدس وزنه على الأرض، بسبب ضعف جاذبية القمر. أي أنك إذا كنت تزنين 24 كيلوجراما، فإن وزنك على القمر سيكون 4 كيلوجرامات فقط»!

          ضحكت فرح بشدة. لم تكن تتخيل أن وزنها سيكون مثل وزن طفل صغير!

          في قلب المعرض كان هناك شخص يمسك بجناحي طائرة شراعية صممها المخترع الألماني أوتو ليليانذال أواخر القرن التاسع عشر.  حين خرجنا كان المساء قد حل وفي لحظة الخروج أضيئت الألعاب النارية فوق البوابة التي تشبه قوس قزح. قفزت فرح في الهواء، وهي تنظر إلى الأضواء، وقد أحست أنهم يحتفلون بنا.

 



إعداد: مروة إسماعيل