دَرْس في السَّيْر

دَرْس في السَّيْر
        

رسم: حلمي التوني

          عاد التلاميذ إلى مدرستهم بعد أن قضوا عطلتهم الصيفية، وتَعَرَّفُوا على معلمتهم الآنسة زهرة. بدت لطيفة معهم، غير أنهم دُهِشُوا لكون فصلهم الدراسي بدا خاليا من الكراسي والطاولات، فدعتهم معلمتهم للوقوف أمام طاولة بيضاوية الشكل، عليها خرائط للشوارع والساحات، وعلامات السير.

          تَعَلَّقَتِ أَعْيُنُ التلاميذ بالمعلمة الآنسة زهرة. قالت لهم:  أعزائي، هذا هو درسنا الأول في هذه السنة الدراسية، وأنتم تعرفون أن حوادث السير تَحْصُدُ كل سنة الكثير من الأرواح، وتُسَبِّبُ الكثير من الخسائر المادية. لذلك قَرَّرَتْ إدارة المدرسة أن نَفْتَتِحَ دروس هذه السنة بدرس حول قوانين السير.

          تَطَلَّعَ التلاميذ إلى خرائط الشوارع والطرقات، وأخذوا يَهْمِسُون لبعضهم ببعض الكلمات. قالت لهم معلمتهم:  من أجل سلامتكم، أعزائي الصغار، وحِمَايَتِكُمْ من أخطار الطريق، سأشرحُ لكم كيفية عبور الشوارع والطرقات.

          تَطَلَّعَ إليها التلاميذ باهتمام، فأخذت تَشْرَحُ أَهَمِّيَّةَ الانتباه إلى الأضواء التي تُنَظِّمُ حركة السير. أخذت في يدها مصباحا يُضِيءُ بثلاثة الأوان هي الأحمر والأخضر والأصفر، وأخذت تَشْرَحُ لهم: هذه الألوان تعني سائقي السيارات. الأحمر يعني: قِفْ. والأصفر يعني: اِنْتَبِه. والأخضر يعني: مُرّ. وإذا كانت هذه الألوان تعني سائقي السيارات، فماذا على الراجلين (المشاة) أن يفعلوا؟

          أجاب صفوان: عندما يضيء الضوء الأخضر يَمُرُّ الراجلون.

          عَلَّقَتْ على جوابه: جوابك خطأ يا صفوان، ولقد قلت إن هذه الأضواء تعني سائقي السيارات.

          أجابت سعاد: عندما يضيء الضوء الأصفر يَمُرُّ الراجلون.

          قالت لسعاد: وهذا الجواب هو أيضا خطأ، لأن الضوء الأصفر هو للانتباه لسائقي السيارات والراجلين، يأتي بعده الضوء الأحمر مباشرة، لِتَقِفَ السيارات. وإذن، متى يمر الراجلون؟

          قال عبد الرزاق: الآن يا أستاذة بدا الأمر واضحا، فالراجلون يَمُرُّونَ عندما تَتَوَقَّفُ السيارات عند الضوء الأحمر.

          قالت له: جوابك صحيح. فالراجلون لا يَمُرُّونَ إلا عندما تتوقف السيارات مع إضاءة الضوء الأحمر. وأحيانا يوجد تحت الضوء الأحمر ضوء آخر أخضر يعني حق الراجلين في المرور.

          على الخريطة التي تُمَثِّلُ مُلْتَقًى للطرق، وضعت المصباح الذي يُضِيءُ بالألوان الثلاثة على أحد الطرقات، وأخذت تقوم بِتَطْبِيقٍ لما شرحته، وهي تسأل التلاميذ: متى يَمُرُّ الراجلون؟

          فأجابوا بحماس: عندما يًضِيءُ الضوء الأحمر لِتَتَوَقَّفَ السيارات، ويُضِيءُ الضوء الأخضر المُخَصَّصُ لمرور الراجلين.

          جَعَلَتِ المعلمة الآنسة زهرة تلاميذها يُرَكِّزُونَ أنظارهم على الخريطة، وهي تُمَثِّلُ أحد الشوارع. أخذت العديد من السيارات الصغيرة فوضعتها على الشارع، وأخذت تُحَرِّكُهَا، ثم وضعتِ المصباحَ المُضِيءَ بثلاثة ألوان على رأس الشارع وسألتهم نفس الأسئلة السابقة فتوفقوا جميعا في الجواب. لكنها سألتهم سؤالا آخر: تعرفون يا أعزائي التلاميذ أن أناسا كثيرين من الراجلين يجهلون قوانين السير، ولذلك نراهم في المَدَارَات، والساحات العمومية، يقطعون الطريق، فهل هذا التصرف من قِبَلِ بعض الراجلين صحيح؟

          أجابت ليلى: غير صحيح يا أستاذة.

          وأجاب سعد: غير صحيح يا أستاذة.

          سألتهم: وإذن، من أين على الراجلين أن يَعْبُرُوا الطريق؟

          بدا عليهم الارتباك، ولم يُقَدِّمُوا أي جواب. وَجَّهَتْ معلمتهم الآنسة زهرة أنظارهم إلى خطوط مرسومة بالأبيض عند الحد الذي تَتَوَقَّفُ فيه السيارات، وسألتهم:  ما الذي تَعْنِيهِ هذه الخطوط؟

          قال لها حَسَّان:  تَعْنِي يا أستاذة، المكان الذي يَمُرُّ منه الراجلون بأمان.

          امتدحت جوابه.   

          تذكر صفوان أنه كان يخشى قَطْعَ طريق السيارات من رصيف لآخر، وأن أمه هي التي كانت ترافقه وهي تمسك بيده لترشده إلى قطع الطريق وتفادي الخطر، وأنه اليوم يستطيع أن يعبر طريق السيارات بنفسه، وبأمان. وتذكرت مريم أنها كانت تَشْعُرُ بالرعب وهي تريد أن تَقْطَعَ طريقا تَعْبُرُهُ السيارات، فَتَرْتَبِك، وتُسْرِعُ في سيرها مُعْتَقِدَةً أن ذلك الإسراع هو ما سوف يُنقذها من الخطر، لكن سيارة كادت أن تَدْهَسَهَا لولا أن ضَغَطَ السائق على الْحَصَّارِ (الفرامل) بقوة، لكنها اليوم، ومن خلال هذا الدرس، وقد تعلمت أشياء جديدة، تستطيع أن تَعْبُرَ الطريق بأمان. وتذكر سعيد أخطاءه وهو يعبر ساحة عمومية، هي مُلْتَقًى لعدة طرق، وأنه كان يَعْبُرُ من وسطها، فكانت السيارات تَتَفادى أن تُصِيبَهُ بأذى، واليوم، بعد هذا الدرس، أصبح يعرف من أين عليه أن يمر لِيَعْبُرَ الطريق. كلهم تذكروا الأخطاء القاتلة التي كانوا يرتكبونها، وهم يَعْبُرُونَ طريق السيارات.  

          ابتسمت المعلمة الآنسة زهرة لتلاميذها الصغار. وقالت لهم: درس هذا اليوم، سوف يُبَدِّدُ مخاوفكم، لكي تَعْبُرُوا طريق السيارات بأمان. وأضافت: هل فهمتم؟

          رَدُّوا عليها جميعا: فَهمنا يا أستاذة.

          ثم قالت: ما قُمْنَا به اليوم هو درس نَظَرِي، لأنه يَتِمُ في الفصل الدراسي، وغدا صباحا سوف أخرج بكم إلى الشوارع والساحات العمومية التي ترونها على الخريطة، لِنُطَبِّقَ ما تعلمناه.

 



قصة: محمد عز الدين التازي