سما والقلادة

سما والقلادة

ترفض‭ ‬سما‭ ‬ذات‭ ‬السبع‭ ‬سنوات أن‭ ‬تخلع‭ ‬قلادتها‭ ‬قبل‭ ‬النوم،‭ ‬وقلادتها‭ ‬ليست‭ ‬مصنوعة‭ ‬من‭ ‬ذهب‭ ‬أو‭ ‬فضة،‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬حبل‭ ‬مطّاطيّ‭ ‬مزركش‭ ‬بالخرز‭ ‬الملون‭. ‬

تقول‭ ‬لها‭ ‬أمّها‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تخلد‭ ‬إلى‭ ‬سريرها‭: ‬‮«‬يا‭ ‬سما‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬تنامي‭ ‬والقلادة‭ ‬حول‭ ‬رقبتك‭ ‬فهذا‭ ‬لا‭ ‬يتوافق‭ ‬وشروط‭ ‬السلامة،‭ ‬لربّما‭ ‬يلتفّ‭ ‬الحبل‭ ‬المطاطيّ‭ ‬على‭ ‬رقبتك،‭ ‬وقد‭ ‬يجرحك‭ ‬الخرز‮»‬‭.‬

تردّ‭ ‬سما‭: ‬‮«‬لكنّي‭ ‬أحب‭ ‬هذه‭ ‬القلادة،‭ ‬إنّها‭ ‬من‭ ‬ابتكاري،‭ ‬لقد‭ ‬جلست‭ ‬لساعات‭ ‬أشتغل‭ ‬بها،‭ ‬وكنت‭ ‬صبورةً‭ ‬وأنا‭ ‬أضمّ‭ ‬حبّات‭ ‬الخرز‭ ‬بالحبل‭. ‬لذلك‭ ‬أحبّ‭ ‬أن‭ ‬تبقى‭ ‬معي‭ ‬فأنا‭ ‬معتادة‭ ‬عليها،‭  ‬وهي‭ ‬قطعة‭ ‬مفضّلة‭ ‬لدي‮»‬‭...‬

قالت‭ ‬أمها‭: ‬‮«‬طبعاً‭ ‬وأنا‭ ‬أحبّ‭ ‬أن‭ ‬أراها‭ ‬تزيّن‭ ‬رقبتك‭ ‬الجميلة‭ ‬بينما‭ ‬شعرك‭ ‬مرفوع‭ ‬إلى‭ ‬فوق،‭ ‬إنني‭ ‬معجبة‭ ‬بحبّاتها‭ ‬الملوّنة‭: ‬بالأزرق‭ ‬والبرتقاليّ‭ ‬والليلك‭ ‬والزهري‭ ‬والأصفر‭ ‬والأبيض‭ ‬والأسود‭ ‬والأخضر‭. ‬ولكن‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬المعقول‭ ‬أن‭ ‬ينام‭ ‬الإنسان‭ ‬والساعة‭ ‬في‭ ‬يده،‭ ‬أو‭ ‬السوار‭ ‬حول‭ ‬معصمه،‭ ‬تماماً‭ ‬كأن‭ ‬ينام‭ ‬وبقدمه‭ ‬حذاء‭. ‬في‭ ‬الليل‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نخلع‭ ‬كلّ‭ ‬أدوات‭ ‬الزينة،‭ ‬مثل‭ ‬الخاتم‭ ‬والخلخال‭ ‬والقلادة،‭ ‬وأن‭ ‬ننام‭ ‬بملابس‭ ‬مريحة‮»‬‭.‬

لكنّ‭ ‬سما‭ ‬تخاف‭ ‬أن‭ ‬تفقد‭ ‬القلادة،‭ ‬وأن‭ ‬لا‭ ‬تجدها‭ ‬في‭ ‬الصباح،‭ ‬فقد‭ ‬يرميها‭ ‬أحدهم‭ ‬في‭ ‬القمامة‭ ‬ظنّاً‭ ‬منه‭ ‬بأنّها‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬صاحب‭. ‬

لقد‭ ‬كانت‭ ‬سما‭ ‬مرتبطة‭ ‬بقلادتها،‭ ‬وتشعر‭ ‬بأنها‭ ‬جزء‭ ‬منها،‭ ‬لذلك

اقترحت‭ ‬عليها‭ ‬أمها‭ ‬بأن‭ ‬تضعها‭ ‬تحت‭ ‬المخدّة‭ ‬لتعاود‭ ‬لبسها‭ ‬في‭ ‬الصباح،‭ ‬وبذلك‭ ‬وافقت‭ ‬سما‭ ‬بعد‭ ‬طول‭ ‬تفكير،‭ ‬وأصبحت‭ ‬لا‭ ‬تنام‭ ‬إلا‭ ‬والقلادة‭ ‬تحت‭ ‬وسادتها،‭ ‬وكانت‭ ‬أحياناً‭ ‬تدسّ‭ ‬يدها‭ ‬بالليل‭ ‬لتتأكد‭ ‬بأنها‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬في‭ ‬مكانها‭.‬

بقي‭ ‬الحال هكذا،‭ ‬القلادة‭ ‬مع‭ ‬سما‭ ‬أينما‭ ‬تذهب‭ ‬طوال‭ ‬اليوم،‭ ‬وفي‭ ‬الليل‭ ‬تخبئها‭ ‬داخل‭ ‬فراشها‭.‬

و‭ ‬حين‭ ‬بدأت‭ ‬حملة‭ ‬العون‭ ‬للشتاء،‭ ‬طلب‭ ‬المختار‭ ‬من‭ ‬سكان‭ ‬الحي‭ ‬التبرّع‭ ‬بالملابس‭ ‬والبطانيات‭ ‬والشراشف‭ ‬والمناشف‭ ‬والمعاطف‭ ‬لتقديمها‭ ‬هدايا‭ ‬للأطفال‭ ‬في‭ ‬مخيّم‭ ‬اللاجئين‭. ‬

تحمّست‭ ‬سما‭ ‬للفكرة‭ ‬وذهبت‭ ‬مع‭ ‬أمّها‭ ‬إلى‭ ‬السوق‭ ‬واشترت‭ ‬معطفاً‭ ‬لطفلة‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬سنها،‭ ‬كذلك‭ ‬اشترت‭ ‬لهل‭ ‬بطانية‭ ‬تقيها‭ ‬من‭ ‬برد‭ ‬الشتاء‭.‬

ودون‭ ‬أن‭ ‬يعلم‭ ‬أحد،‭ ‬فتحت‭ ‬سما‭ ‬خزانتها‭ ‬واختارت‭ ‬أجمل‭ ‬فستان‭ ‬تحبّه‭ ‬وجرابا‭ ‬صوفياً‭ ‬لونه‭ ‬أبيض،‭ ‬وجمعت‭ ‬أشياء‭ ‬صغيرة‭ ‬أخرى‭ ‬للتبرع‭ ‬بها،‭ ‬مثل‭ ‬أدوات‭ ‬تزيين‭ ‬الشعر،‭ ‬صوفية‭ ‬وقبّعة‭ ‬ملوّنة‭ ‬وشالاً‭ ‬شتوياً،‭ ‬ولم‭ ‬تنس‭ ‬أن‭ ‬تتبرع‭ ‬بمظلّة‭ ‬تستفيد‭ ‬الطفلة‭ ‬منها‭ ‬لئلا‭ ‬يبلّلها‭ ‬المطر‭. ‬

ثم‭ ‬خلعت‭ ‬القلادة‭ ‬ووضعتها‭ ‬في‭ ‬مغلّف‭ ‬أخفته‭ ‬في‭ ‬جيب‭ ‬المعطف‭ ‬كتبت‭ ‬عليه‭: (‬هذه‭ ‬القلادة‭ ‬أحبّها‭ ‬كثيراً‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬شغلي،‭ ‬قرّرت‭ ‬أن‭ ‬أهديها‭ ‬إلى‭ ‬صديقتي‭ ‬التي‭ ‬تعيش‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬مخيم‭ ‬اللاجئين،‭ ‬وأتمنى‭ ‬عندما‭ ‬تلبسها‭ ‬أن‭ ‬تتذكر‭ ‬سما‭ ‬الصغيرة،‭ ‬وأنا‭ ‬بدوري‭ ‬سأسأل‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬كل‭ ‬مساء‭ ‬أن‭ ‬ترجعي‮ ‬إلى بيتك،‭ ‬وينتهي‭ ‬الحال‭ ‬بك‭ ‬على أحسن ما‭ ‬يرام،‭ ‬وأن‭ ‬تنعمي‭ ‬براحـة‭ ‬البال‭ ‬في‭ ‬وطنك.