في متحف حديقة الحيوان بالرّباط.. حتّى الحيوان له تاريخ!

في متحف حديقة الحيوان بالرّباط.. حتّى الحيوان له تاريخ!

أصدقائي‭ ‬الأحبّاء،‭ ‬ربّما‭ ‬عندما‭ ‬تسمعون‭ ‬عن‭ ‬متحف،‭ ‬يذهب‭ ‬ذهنكم،‭ ‬لا‭ ‬شعوريًا،‭ ‬لِما‭ ‬أنتجه‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬تاريخ،‭ ‬ولكن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬تاريخ‭ ‬الإنسان‭ ‬بِمعزل‭ ‬عن‭ ‬تاريخ‭ ‬الحيوان‭. ‬نعم،‭ ‬فالحيوان‭ ‬رافق‭ ‬الإنسان‭ ‬منذ‭ ‬تواجده‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية،‭ ‬بل‭ ‬إنّ‭ ‬الدّيناصورات‭ ‬سبقت‭ ‬حتّى‭ ‬وجود‭ ‬الإنسان‭ ‬نفسه،‭ ‬لذلك‭ ‬لا‭ ‬تستغربوا‭ ‬إن‭ ‬قلت‭ ‬لكم‭ ‬أنّكم‭ ‬ستزورن‭ ‬معي‭ ‬متحفًا،‭ ‬يُعدّ‭ ‬أوّل‭ ‬متحف‭ ‬بالمغرب،‭ ‬يُعرّف‭ ‬بتاريخ‭ ‬الحيوانات‭ ‬الّتي‭ ‬كانت‭ ‬تجوب‭ ‬أراضي‭ ‬المغرب،‭ ‬منذ‭ ‬ملايين‭ ‬السّنين‭. ‬

المتحف‭ ‬أيّها‭ ‬الصّغار،‭ ‬يوجد‭ ‬بِعاصمة‭ ‬المملكة‭ ‬المغربية،‭ ‬الرّباط،‭ ‬وبِالضّبط‭ ‬بِحديقة‭ ‬الحيوانات‭ ‬الوطنية،‭ ‬حيث‭ ‬يعرض‭ ‬بقايا‭ ‬عظام‭ ‬حيوانات‭ ‬منقرضة،‭ ‬وُجدت‭ ‬بِمناطق‭ ‬متعدّدة‭ ‬بالمغرب،‭ ‬وهي‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬2‭.‬5‭ ‬مليون‭ ‬سنة،‭ ‬و7000‭ ‬سنة‭ ‬قبل‭ ‬الميلاد،‭ ‬والهدف‭ ‬من‭ ‬عرض‭ ‬هذه‭ ‬العظام‭ ‬هو‭ ‬تثمين‭ ‬الثّروة‭ ‬الحيوانية‭ ‬في‭ ‬المغرب،‭ ‬وفي‭ ‬عالَمنا‭ ‬العربي‭.‬

أوّل‭ ‬ما‭ ‬يثير‭ ‬في‭ ‬المتحف‭ ‬هو‭ ‬العظام‭ ‬الضّخمة‭ ‬الّتي‭ ‬تُعرَض‭ ‬في‭ ‬رفوف‭ ‬زجاجية،‭ ‬وأهمّها،‭ ‬عظام‭ ‬فيل‭ ‬لوكسودونطا‭ ‬أطلانتيكا‭ ‬المنقرض،‭ ‬الّتي‭ ‬عثر‭ ‬عليها‭ ‬الأركولوجيون‭ ‬بِالدّار‭ ‬البيضاء،‭ ‬وتعود‭ ‬لِحقبة‭ ‬البَلايستوسين‭ (‬فترة‭ ‬زمنية‭ ‬ممتدّة‭ ‬من‭ ‬2588‭ ‬ألف‭ ‬سنة‭ ‬إلى‭ ‬11‭ ‬ألف‭ ‬و700‭ ‬سنة‭ ‬قبل‭ ‬الحاضر،‭ ‬وتُسمّى‭ ‬بالعصر‭ ‬الحديث‭ ‬القريب‭) ‬الأوسط،‭ ‬وتعدّ‭ ‬فصيلة‭ ‬هذا‭ ‬الفيل‭ ‬أكبر‭ ‬حجمًا‭ ‬من‭ ‬فصيلة‭ ‬الفيل‭ ‬الإفريقي،‭ ‬الّذي‭ ‬مازال‭ ‬موجودًا‭ ‬منذ‭ ‬العصر‭ ‬الحجريّ‭ ‬الحديث،‭ ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬عثر‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬عظام‭ ‬فيل‭ ‬لوكسودونطا،‭ ‬عظام‭ ‬السّاق،‭ ‬وفكّه‭ ‬السّفلي،‭ ‬اللّذان‭ ‬يُعرضان‭ ‬بِالمتحف‭ ‬متقاربَين‭.‬

ليس‭ ‬هذا‭ ‬كلّ‭ ‬ما‭ ‬يعرضه‭ ‬هذا‭ ‬المتحف‭ ‬التّاريخيّ،‭ ‬ولكن‭ ‬أيضًا‭ ‬يعرض‭ ‬عظام‭ ‬الضّبع‭ ‬المُرقَّط‭ ‬البدائيّ،‭ ‬الّذي‭ ‬عاش‭ ‬من‭ ‬حقبة‭ ‬الميوسين‭(‬فترة‭ ‬زمنية‭ ‬جيولوجية‭ ‬من‭ ‬23‭ ‬إلى‭ ‬5‭ ‬مليون‭ ‬سنة‭ ‬قبل‭ ‬اليوم‭)‬،‭ ‬إلى‭ ‬حقبة‭ ‬البليوسين‭ (‬مقياس‭ ‬زمني‭ ‬جيولوجي‭ ‬من‭ ‬2‭ ‬إلى‭ ‬5‭ ‬مليون‭ ‬سنة‭ ‬قبل‭ ‬الحاضر‭) ‬الأوسط،‭ ‬وهذا‭ ‬الضّبع‭ ‬المُرقَّط‭  ‬البدائيّ‭ ‬يتميّز‭ ‬عن‭ ‬الضّبع‭ ‬الإفريقيّ‭ ‬الحالي،‭ ‬بِحجمه‭ ‬الصّغير‭ ‬وأرجله‭ ‬القصيرة،‭ ‬ولقد‭ ‬تمّ‭ ‬اكتشاف‭ ‬بعض‭ ‬عظامه‭ ‬بمنطقة‭ ‬أهل‭ ‬الغلام‭ ‬بالدّار‭ ‬البيضاء،‭ ‬لِيتمّ‭ ‬عرضها‭ ‬بالمتحف‭.‬

مِن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬يا‭ ‬صغاري،‭ ‬فالمتحف‭ ‬يعرض‭ ‬عظامًا‭ ‬لِهياكل‭ ‬عظمية‭ ‬تخصّ‭ ‬حيوانات‭ ‬عاشت‭ ‬في‭ ‬حقبات‭ ‬تاريخية‭ ‬ضاربة‭ ‬في‭ ‬القِدَم،‭ ‬كعظام‭ ‬هيكل‭ ‬الفهد‭ ‬الأُحفوري‭ ‬المُنقرِض،‭ ‬الّذي‭ ‬وُجد‭ ‬فكّه‭ ‬السّفليّ‭ ‬بمنطقة‭ ‬أهل‭ ‬الغلام‭ ‬بالدّار‭ ‬البيضاء،‭ ‬والّذي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬في‭ ‬حسبان‭ ‬الأركولوجيين‭ ‬أن‭ ‬يعثروا‭ ‬على‭ ‬أحفوريّاته،‭ ‬ولقد‭ ‬أظهرت‭ ‬الدّراسات‭ ‬على‭ ‬أنّه‭ ‬كان‭ ‬قصيرًا،‭ ‬ويعيش‭ ‬في‭ ‬الجبال‭ ‬والسّهوب‭.‬

‭ ‬أمّا‭ ‬في‭ ‬مغارة‭ ‬وحيد‭ ‬القرن،‭ ‬بِمَحجَر‭ ‬أولاد‭ ‬احْميدة‭ ‬بالدّار‭ ‬البيضاء،‭ ‬فقد‭ ‬تمّ‭ ‬العثور‭ ‬على‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاثين‭ ‬من‭ ‬أحفورياتٍ‭ ‬لِبعض‭ ‬الثّدييّات،‭ ‬واثنتي‭ ‬عشرة‭ ‬أحفورة‭ ‬للطّيور،‭ ‬ولقد‭ ‬سُمّيت‭ ‬بِمغارة‭ ‬وحيد‭ ‬القرن،‭ ‬وذلك‭ ‬لِتواجد‭ ‬بقايا‭ ‬كثيرة‭ ‬جدًّا‭ ‬لِعظام‭ ‬وحيد‭ ‬القرن‭ ‬المُنقرِض،‭ ‬والسّبب‭ ‬في‭ ‬تواجد‭ ‬هذا‭ ‬الكمّ‭ ‬الكبير‭ ‬من‭ ‬العظام،‭ ‬دليل‭ ‬قاطع‭ ‬على‭ ‬أنّ‭ ‬الإنسان‭ ‬الحجري‭ ‬العاقل‭ (‬HOMO‭ ‬SAMPIENS‭) ‬كان‭ ‬يعيش‭ ‬على‭ ‬لحوم‭ ‬هذا‭ ‬الحيوان‭.‬

والآن‭ ‬هيّا‭ ‬يا‭ ‬أصدقائي،‭ ‬لِنشاهد‭ ‬غرفةً‭ ‬خلف‭ ‬المتحف،‭ ‬فيها‭ ‬صخور‭ ‬تعود‭ ‬لِملايين‭ ‬السّنين،‭ ‬ولكن‭ ‬ليست‭ ‬صخورًا‭ ‬عادية،‭ ‬فهي‭ ‬صخور‭ ‬تحمل‭ ‬نقوش‭ ‬حيوانات،‭ ‬نقشها‭ ‬الإنسان‭ ‬الحجريّ‭ ‬على‭ ‬الصّخور‭ ‬بِتقنيّة‭ ‬الصّقل،‭ ‬وذلك‭ ‬لِكي‭ ‬يقول‭ ‬لنا‭ ‬أنّ‭ ‬الحيوانات‭ ‬لها‭ ‬تاريخ‭ ‬كما‭ ‬للإنسان‭ ‬تاريخ،‭ ‬وأنّ‭ ‬كلّ‭ ‬شيء‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العالَم‭ ‬له‭ ‬تاريخ‭.‬