الرسامة الصغيرة

الرسامة الصغيرة

طلبتْ‭ ‬المعلمةُ‭ ‬من‭ ‬التلميذاتِ‭ ‬أنْ‭ ‬يَرْسُمن‭ ‬لوحاتٍ‭ ‬للمعرضِ‭ ‬الذي‭ ‬تُقيمهُ‭ ‬المدرسةُ‭ ‬كلَّ‭ ‬عامٍ‭ ‬قبلَ‭ ‬نهايةِ‭ ‬السّنةِ‭ ‬الدراسيةِ‭.‬

أحضرتْ‭ ‬هيا‭ ‬الألوانَ‭ ‬والورقَ،‭ ‬وجلستْ‭ ‬ترسم‭...  

هتفتْ‭ ‬أمُّها‭ ‬حينَ‭ ‬دخلتْ‭ ‬غرفتَها‭:‬

ـ‭ ‬ما‭ ‬هذا؟‭ ‬إنّها‭ ‬لوحةٌ‭ ‬جميلةٌ‭ ‬جداً‭ ‬يا‭ ‬هيا،‭ ‬لكن‭ ‬ألا‭ ‬تعتقدين‭ ‬أنّكِ‭ ‬نسيتِ‭ ‬شيئاً‭ ‬مهماً؟‭ ‬

تساءلتْ‭ ‬هيا‭:‬

ـ‭ ‬ما‭ ‬هو؟‭ ‬

قالت‭ ‬أمها‭:‬

ـ‭ ‬النمشُ‭ ‬الظريفُ‭ ‬فوقَ‭ ‬أنفِ‭ ‬اللعبةِ‭. ‬

قالتْ‭ ‬هيا‭ ‬بدهشةٍ‭:‬

ـ‭ ‬نعم،‭ ‬أنتِ‭ ‬على‭ ‬حقٍ‭ ‬يا‭ ‬أمُّي‭. ‬

تناولتْ‭ ‬هيا‭ ‬قلَمَها‭ ‬البرتقالي‭ ‬وزيّنتْ‭ ‬وجهَ‭ ‬اللعبةِ‭ ‬بنمشٍ‭ ‬جميلٍ‭. ‬

حازتْ‭ ‬لوحةُ‭ ‬هيا‭ ‬أعلى‭ ‬علامةٍ‭ ‬في‭ ‬الصّفِ‭ ‬واختارتْها‭ ‬المعلمةُ‭ ‬للعَرْضِ‭ ‬في‭ ‬صالةِ‭ ‬المدرسةِ‭ ‬الكبيرةِ‭. ‬

كانت‭ ‬هيا‭ ‬تتجوّلُ‭ ‬في‭ ‬المعرضِ‭ ‬بخطواتٍ‭ ‬خفيفةٍ،‭ ‬وهي‭ ‬تشعرُ‭ ‬بالفخرِ‭ ‬لإنْجَازِها‭ ‬الجَميلِ،‭ ‬اقتربتْ‭ ‬من‭ ‬لوحتِها،‭ ‬فرأتْ‭ ‬تلميذاتِ‭ ‬المدرسةِ‭ ‬وقد‭ ‬تجمَّعنَ‭ ‬حَولَها،‭ ‬أحسّتْ‭ ‬بالسعادةِ‭ ‬تَغمرها،‭ ‬لقد‭ ‬تحققَ‭ ‬حلمها‭ ‬بأنْ‭ ‬تكونَ‭ ‬رسّامةً‭ ‬مشهورةً‭!‬

‭ ‬رأتْ‭ ‬هيا‭ ‬الفتياتِ‭ ‬يتهامسنَ‭ ‬ويضحكنَ‭ ‬بأصواتٍ‭ ‬خافتةٍ‭. ‬أنصتتْ،‭ ‬فسمعتْ‭ ‬إحداهن‭ ‬تقول‭: ‬

ـ‭ ‬إنّ‭ ‬هيا‭ ‬قد‭ ‬رسمتْ‭ ‬نفسَها،‭ ‬إنّها‭ ‬تشبهُها‭ ‬جداً‭. ‬الوجهُ‭ ‬البشعُ‭ ‬ذاته،‭ ‬والنمشُ‭ ‬الكريهُ‭ ‬نفسه‭.‬

قالت‭ ‬أخرى‭:‬

ـ‭ ‬انظري،‭ ‬حتّى‭ ‬شعرها‭ ‬الأجعدَ‭ ‬المنكوشَ،‭ ‬كيفَ‭ ‬استطاعتْ‭ ‬أنْ‭ ‬ترسمَ‭ ‬نفسَها؟

لم‭ ‬تجرؤ‭ ‬هيا‭ ‬على‭ ‬التلفظ‭ ‬بكلمةٍ‭ ‬واحدةٍ،‭ ‬جمَّدتها‭ ‬المفاجأةُ‭ ‬في‭ ‬مكانِها،‭ ‬وأحسّتْ‭ ‬بدموعها‭ ‬تنفرُ‭ ‬من‭ ‬عينيها‭ ‬بقوةٍ‭. ‬انسحبتْ‭ ‬بخطواتٍ‭ ‬سريعةٍ،‭ ‬وهي‭ ‬تحاولُ‭ ‬إخفاءَ‭ ‬دموعِها‭. ‬

وقفتْ‭ ‬أمامَ‭ ‬المرآةِ‭ ‬وحدّقتْ‭ ‬بوجهها‭ ‬وتَساءلت‭: ‬‮«‬هل‭ ‬حقّاً‭ ‬أنا‭ ‬بشعة؟‮»‬‭ ‬وتحسستْ‭ ‬شعرَها،‭ ‬كانتْ‭ ‬تراهُ‭ ‬ناعماً‭ ‬جميلاً‭ ‬قبلَ‭ ‬الآن،‭ ‬لم‭ ‬تعرفْ‭ ‬أنّ‭ ‬الشعرَ‭ ‬الأجعدَ‭ ‬بشعٌ‭. ‬دخلتْ‭ ‬غرفتَها‭ ‬وهي‭ ‬تحسُّ‭ ‬بألمٍ‭ ‬في‭ ‬معدتها،‭ ‬ثمّ‭ ‬شعرتْ‭ ‬أنّ‭ ‬الألمَ‭ ‬في‭ ‬يديها‭! ‬اندسّتْ‭ ‬في‭ ‬فراشِها،‭ ‬وخبّأتْ‭ ‬رأسَها،‭ ‬وغفتْ‭. ‬

عادتْ‭ ‬هيا‭ ‬للتحدّيقِ‭ ‬في‭ ‬المرآةِ،‭ ‬فرأتْ‭ ‬النمشَ‭ ‬في‭ ‬وجهها‭ ‬يكبرُ،‭ ‬وفمها‭ ‬يتسعُ،‭ ‬وعَيْنيها‭ ‬تَجْحَظانِ‭! ‬بكَتْ‭ ‬بشدّة‭. ‬جاءتْ‭ ‬أمُّها‭ ‬مسرعةً،‭ ‬لمستْ‭ ‬جبينها،‭ ‬فوجدتْ‭ ‬حرارتَها‭ ‬مرتفعةً‭.. ‬أعطتْها‭ ‬جرعةَ‭ ‬دواءٍ،‭ ‬وطلبتْ‭ ‬منها‭ ‬أنْ‭ ‬تنام‭. ‬

في‭ ‬اليومِ‭ ‬التالي‭ ‬ادّعتْ‭ ‬أنّها‭ ‬مريضةٌ،‭ ‬ورفضتْ‭ ‬الذهابَ‭ ‬إلى‭ ‬المدرسةِ،‭ ‬وحينَ‭ ‬حضرَ‭ ‬الطبيبُ‭ ‬وفحصها،‭ ‬همسَ‭ ‬لأمها‭:‬

ـ‭ ‬ابنتك‭ ‬لا‭ ‬تشكو‭ ‬من‭ ‬شيءٍ،‭ ‬إنّها‭ ‬سليمة،‭ ‬حاولي‭ ‬أنْ‭ ‬تعرفي‭ ‬ممَ‭ ‬تخافُ‭. 

أغلقتْ‭ ‬والدةُ‭ ‬هيا‭ ‬البابَ،‭ ‬وقالتْ‭:‬

ـ‭ ‬لم‭ ‬تحدثيني‭ ‬يا‭ ‬هيا‭ ‬عن‭ ‬المعرض‭!‬

اضطربتْ‭ ‬هيا‭ ‬ولم‭ ‬تعرفْ‭ ‬بماذا‭ ‬تجيبُ‭ ‬أمّها،‭ ‬هل‭ ‬تقولُ‭ ‬لها‭ ‬إنّها‭ ‬رسّامةٌ‭ ‬فاشلةٌ،‭ ‬وإنّ‭ ‬لوحتَها‭ ‬لمْ‭ ‬تُعجب‭ ‬رفيقاتها؟‭ ‬وإنَّ‭ ‬البنات‭ ‬في‭ ‬المعرضِ‭ ‬سخرنَ‭ ‬منها؟‭ ‬

قالت‭ ‬أمُّها‭:‬

ـ‭ ‬الطبيبَ‭ ‬يقولُ‭ ‬إنّكِ‭ ‬لا‭ ‬تشكين‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬مرضٍ،‭ ‬وعليكِ‭ ‬أن‭ ‬تذهبي‭ ‬غداً‭ ‬إلى‭ ‬المدرسةِ،‭ ‬هيا‭ ‬انهضي‭ ‬من‭ ‬فراشكِ،‭ ‬اكتبي‭ ‬واجباتك،‭ ‬واحفظي‭ ‬دروسك‭. ‬

نفَّذتْ‭ ‬هيا‭ ‬أوامرَ‭ ‬أمها‭ ‬بصمت‭.. ‬وحينَ‭ ‬رتَّبتْ‭ ‬حقيبتها،‭ ‬أخرجتْ‭ ‬الأقلامَ‭ ‬الملونةَ،‭ ‬ووضعتْها‭ ‬في‭ ‬الدرجِ‭ ‬وأغلقتهُ‭. ‬

لاحظتْ‭ ‬جدتُها‭ ‬خلالَ‭ ‬الأيامِ‭ ‬التاليةِ‭ ‬أنّ‭ ‬هيا‭ ‬فقدتْ‭ ‬حيويتَها،‭ ‬وبدا‭ ‬وجهُها‭ ‬شاحباً‭. ‬كانتْ‭ ‬تدرسُ‭ ‬بهدوءٍ،‭ ‬وتجلسُ‭ ‬إلى‭ ‬المائدةِ‭ ‬وهي‭ ‬تنظرُ‭ ‬في‭ ‬صحنِها،‭ ‬ثمَّ‭ ‬تنسحبُ‭ ‬إلى‭ ‬غرفتِها‭ ‬من‭ ‬دونَ‭ ‬أن‭ ‬تسألَ‭ ‬أسئلتَها‭ ‬الكثيرةَ‭ ‬المعتادة‭. ‬وتوقفت‭ ‬عن‭ ‬نقلِ‭ ‬أخبارِ‭ ‬المدرسةِ‭ ‬أثناءَ‭ ‬تناولها‭ ‬الطعامَ‭. ‬فسألتها‭:‬

ـ‭ ‬ما‭ ‬رأيكِ‭ ‬أنْ‭ ‬نذهبَ‭ ‬في‭ ‬نزهةٍ‭ ‬يا‭ ‬هيا؟‭ 

قالتْ‭ ‬هيا‭:‬

ـ‭ ‬الجوُ‭ ‬باردٌ‭ ‬يا‭ ‬جدتي‭. ‬

ابتسمتْ‭ ‬جدتُها‭:‬

ـ‭ ‬الشمسُ‭ ‬مشرقةٌ،‭ ‬والمشي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الجو‭ ‬جميلٌ‭ ‬جداً،‭ ‬ثمَّ‭ ‬أنا‭ ‬بحاجةٍ‭ ‬إلى‭ ‬رفيقةٍ،‭ ‬لا‭ ‬أريد‭ ‬الذهابَ‭ ‬وحدي،‭ ‬هل‭ ‬تتركينَ‭ ‬جدتك‭ ‬وحدَها؟‭ ‬

نهضتْ‭ ‬هيا،‭ ‬وارتدتْ‭ ‬ثِيابها‭ ‬مِن‭ ‬دونِ‭ ‬حماسٍ،‭ ‬ورافقتْ‭ ‬جَدَتَها‭. ‬

شعرتْ‭ ‬ببعضِ‭ ‬النشاطِ‭ ‬عندما‭ ‬لسعتْ‭ ‬النّسماتُ‭ ‬الباردةُ‭ ‬خَديها،‭ ‬وضعتْ‭ ‬يَديْها‭ ‬في‭ ‬جيبها‭ ‬تلتمسُ‭ ‬الدفءَ،‭ ‬فقالتْ‭ ‬جدتها‭:‬

ـ‭ ‬اركضي‭ ‬يا‭ ‬هيا‭.‬

قالتْ‭ ‬هيا‭ ‬باستغرابٍ‭:‬

ـ‭ ‬ولكنكِ‭ ‬لن‭ ‬تستطيعي‭ ‬الركضَ‭ ‬يا‭ ‬جدتي‭!‬

قالتْ‭ ‬جدتها‭:‬

ـ‭ ‬اركضي‭ ‬وحدكِ،‭ ‬وأنا‭ ‬سأمشي‭ ‬على‭ ‬مهلٍ‭. ‬

راحتْ‭ ‬هيا‭ ‬تركضُ‭ ‬مسافةً‭ ‬قصيرةً‭ ‬ثمَّ‭ ‬تعودُ‭ ‬إلى‭ ‬جدتِها‭ ‬وقد‭ ‬احمرّ‭ ‬خداها،‭ ‬تدريجياً‭ ‬أحسّت‭ ‬أنّها‭ ‬تخلصتْ‭ ‬من‭ ‬حزنِها‭ ‬وقَلقِها،‭ ‬شبكتْ‭ ‬يدَها‭ ‬بيدِ‭ ‬جدتها،‭ ‬وقالتْ‭:‬

ـ‭ ‬جدتي،‭ ‬أريدُ‭ ‬أنْ‭ ‬أخبركِ‭ ‬أمراً‭. ‬

وحكتْ‭ ‬لجدتها‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬المعرضِ‭. ‬قالتْ‭ ‬جدتُها‭:‬

ـ‭ ‬إذن‭ ‬الفتياتُ‭ ‬سخرن‭ ‬منَ‭ ‬النمشِ‭ ‬الجميلِ‭ ‬في‭ ‬وجهِ‭ ‬لعبتك؟

قالتْ‭ ‬هيا‭:‬

ـ‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬وجهي،‭ ‬قلن‭ ‬إنّي‭ ‬بشعةٌ‭.‬

ـ‭ ‬وسخرن‭ ‬من‭ ‬شعري‭ ‬أيضاً‭! ‬

نظرتْ‭ ‬الجدَّةُ‭ ‬إلى‭ ‬حفيدتها‭ ‬بإعجابٍ،‭ ‬وقالتْ‭:‬

ـ‭ ‬ها‭ ‬قد‭ ‬وصلنا‭ ‬إلى‭ ‬البيتِ،‭ ‬تعالي،‭ ‬سأريكِ‭ ‬شيئاً‭ ‬جميلاً‭. ‬

فتحتْ‭ ‬الجدَّةُ‭ ‬صندوقَها،‭ ‬وأخرجتْ‭ ‬صورةً‭ ‬قديمةً‭ ‬ملونة،‭ ‬قالت‭ ‬هيا‭:‬

ـ‭ ‬يا‭ ‬الله‭ ‬ما‭ ‬أجملَها،‭ ‬منْ‭ ‬هذهِ‭ ‬يا‭ ‬جدتي؟‭ ‬

قالتْ‭ ‬جدتها‭: ‬

ـ‭ ‬هذه‭ ‬فطوم‭ ‬المغربية‭(‬‭*‬‭)‬،‭ ‬كانتْ‭ ‬امرأةً‭ ‬مشهورةً‭ ‬بجمالها‭. ‬

أحسّتْ‭ ‬هيا‭ ‬بسعادةٍ‭ ‬غامرةٍ،‭ ‬وبثقةٍ‭ ‬تملأُ‭ ‬نفسَها‭ ‬حبوراً‭. ‬ليستْ‭ ‬الوحيدةُ‭ ‬التي‭ ‬تملكُ‭ ‬شعراً‭ ‬أجعدَ،‭ ‬ونمشاً‭ ‬في‭ ‬وجهها،‭ ‬فالجميلاتُ‭ ‬يزينهنَّ‭ ‬الشّعرُ‭ ‬الأجعدُ‭ ‬والنمشُ‭. ‬تَعلّمتْ‭ ‬هيا‭ ‬مِن‭ ‬جَدَتِها‭ ‬أنْ‭ ‬تُحبَّ‭ ‬نَفْسَها‭ ‬كما‭ ‬خلَقَها‭ ‬الله،‭ ‬فَقَدْ‭ ‬خَلَقَ‭ ‬الإنسانَ‭ ‬في‭ ‬أَحْسَنِ‭ ‬تَقويم‭.‬