لا غُول في قريتنا بل غُولان!!
تجمَّعَ خمسةُ فِتيانٍ حولَ صديقِهم نادر في حديقةِ المدرسةِ, وهو يروي قصّةً عن بطولاتِ جَدِّه صخر: في تلكَ الليلةِ المُظلِمَةِ هَرَبَ بعضُ سكَّانِ قريةِ صَبُّوح بعد أنْ سَمِعُوا صوتَ الوحشِ يعلو كلَّما اشتدَّتِ الرِّيحُ...
- سألَ أحدُ الفتيان: وهل كان جَدُّكَ معَ الهاربينَ يا نادر?
- أجابَ نادر: لا وألف لا... بل خرجَ جدِّي لمِقارعةِ الوحشِ بعدَ أن سَمِعَ صوتَهُ, ووقفَ في حديقةِ التوتِ, وأخذَ يرمي الحجارةَ باتِّجاهِ الوحشِ, ويصرخُ: «إنْ كنْتَ وحشاً فأنا الغُول... إنْ كنْتَ وحشاً فأنا الغُول...».
- فقالَ أحدُ الفتيان مُتعجِّباً: يا لشجاعةِ جَدِّكَ يا نادر! إنَّهُ حقاً بطلٌ.
- فردَّ نادر: نعم إنَّ جديَّ بطلٌ, وقد استطاعَ أن يَطرُدَ الوحشَ من قريتنا; ولهذا أطلق عليه بعضُ أصدقائِه لقبَ الغولِ .
فتَقَدَّمَ عصامُ مِن بينِ الفتيانِ مُستَنكِراً : أنتَ تكذبُ يا نادر; لقد سمعْتُ هذهِ القصَّةَ ذاتَها مِن أبي, وكان يتحدَّثُ عن جدّي غضبان لا عن جدِّكَ صخر.
- فنظرَ نادر إلى عصام, وقال: أنا لا أكذبُ يا عصام. وهل جدُّكَ مِن قريةِ صَبُّوح?
- فأجابَ عصام: نعم إنَّ جَدِّيَ من قريةِ صَبُّوح, وهذهِ القصَّةُ عن جديَّ غضبان الغولِ, وأنتَ سرقتَ القصَّةَ, ولم تغيِّرْ فيها سوى اسمِ جدي, واسمِ الحديقةِ; فالحديقةُ التي وقف فيها جدِّيَ غضبان ليرميَ الوحشَ تُسمَّى حديقةَ التفاحِ, لا حديقةَ التوتِ.
- فصرخَ نادر بغضب: أنا لا أسرقُ القصصَ, ولا أكذبُ. لِمَ لا تكونُ أنتَ الكاذب?
وهكذا علا صوتُ شِجار نادر وعصام حتّى تدخَّلَ الأستاذُ عرفان:
- ماذا هناك? لِمَ هذا الشِّجارُ? ألا تخجلونَ مِن أنفسِكُم?! أصبحْتُم في الثالثة عشَرَة; ومازلْتُم تتشاجرون كالصِّغار!
- ردَّ أحدُ الفتيانِ بصوت خافتٍ: نادر وعصام هما اللذانِ يتشاجرانِ يا أستاذ! ونحنُ نحاولُ إيقافَ هذا الشجارِ.
- نظرَ الأستاذُ عرفان باتِّجاهِ عصام ونادر, وقالَ: أريدُكُما في مَكتبي حالاً.
دخلَ عصام ونادر مكتبَ الأستاذِ عرفان, بينما انتظرَ بقيةُ الفتيانِ خارجَ المكتب.
وفي داخلِ المكتبِ سألَ الأستاذُ عرفان عن سببِ الشِّجارِ, فأجابَ عصام:
- لقد سرقَ نادر قصَّةً عن جَدي, ونَسَبَها إلى جدِّه.
فتدخّلَ نادر مباشرةً, وقالَ: لا يا أستاذ; تلك القصَّةُ حَدَثَتْ حقيقةً لجدي صخر في قرية صَبُّوح.
- فقالَ الأستاذ عرفان: قريةُ صَبُّوح?! أنا أعرف هذه القريةَ جيِّداً; فليُخبرْني كلُ واحدٍ منكما قصَّتَه.
فروى نادر قصَّتَهُ للأستاذِ عرفان, وأنهى حديثَهُ بالقول: وهكذا يا أستاذ أصبح جدّي يسمّى صخراً الغولَ.
- فاحتجَّ عصام قائلاً: لا يا أستاذُ هذه القصَّة حدثَتْ لجدّي غضبان الغولِ, وقد كانَ يرمي الوحشَ من حديقةِ التفاح.
صمَتَ الأستاذُ عرفان قليلاً, ثمَّ قالَ, وهو يضحكُ: يبدو أنّ كليكما صادقٌ; فحديقةُ التوتِ التي في قريةِ صَبُّوح تقابلُ حديقةَ التفّاحِ, ولا تبعدُ عنها كثيراً; وهذا يعني أنّ جَدّيكما كانا يتقاذفانِ الحجارةَ, وكلّ واحدٍ يظنُّ الآخرَ وحشاً, بسببِ الظلامِ, والأصواتِ الغريبةِ التي كانتْ تُصدرها الريحُ.
وهكذا خرجَ نادر وعصام مِن مكتبِ الأستاذِ عرفان, وهما يُخفيان ابتساماتٍ خجولة; فقالَ أحدُ الفتيانِ مُعقِّباً: هذا رائعٌ! يبدو أنّكما تصالحتُما, ولكنْ مَن كانَ الغولَ في القريةِ? الجدُّ صخر أم الجدُّ غضبان?
- فأجابَ نادر وعصام, وهما يضحكان: لا غُول في قريتنا بل غُولان.