عادت البراكين العظيمة لتنشط؟!

هذا (سيناريو) سيئ، ولكنه أمر محتمل، وأسوأ ما فيه أن نشاط بركان عظيم هو كارثة لا رادَّ لها. والبركان العظيم يتجاوز البراكين الصغيرة التي شهدتها الحضارة البشرية في العقود القليلة الماضية، في حجم نشاطه وقوّته التدميرية، فهو أكبر منها بمئات المرات. فبمقدور بركان عظيم ثائر أن يدمّر مساحة كقارة أمريكا الشمالية تدميراً تاماً، وأن يخِلَّ باستقرار المناخ العالمي لسنين طويلة، إذ توازي قوّته التدميرية 5 إلى 10 مرات قدر قوة اصطدام الأرض بجُرمٍ فضائي ضخم. وعلى البشر أن يهتموا بهذا الخطر المُحدق بحضارتهم الحديثة، وأن يسعوا لإيجاد طرق للتقليل من خسائره والتهوين من أضراره، فلا يمتلك البشر الآن أيّ خطط عملية لمواجهة ثورات تلك البراكين العملاقة.
وأقرب بركان عظيم – نسبياً – شهدت الأرضُ ثورته في أبريل 2010، هو بركان «إيجافجالاجوكول»، في أيسلندا، الذي ارتفع الغبار المنبعث منه إلى ما يتراوح بين 6 و11 ألف متر، في الغلاف الجوّي للأرض، وغطّى أجزاء كبيرة من شمال أوروبا، واستقرّ عند الارتفاعات التي اعتادت خطوط الطيران التجارية أن تتخذ مساراتها فيها، فلم تعد صالحة لأنشطة الطيران؛ فالغبار البركاني الذي أصبح يغشى تلك الطبقة تدخل في تكوينه ذريرات السليكا التي تنصهر إن وصلت إلي محرك الطائرة، بتأثير حرارته المرتفعة، وتترسّب عليه فتعطبه، وإن لم تعطله أو توقفه، فإنها تلحق به أضراراً بالغة. أما أعظم ما يذكره تاريخ الأرض من براكين عملاقة، فهو بركان (طوبا)، الذي ثار منذ نحو 72 ألف سنة، والذي كانت ثورته أضخم ما عرفته المليون سنة الأخيرة من ثورات البراكين؛ إذ نتج عنها حفرةٌ بلغت مائة كيلومتر طولاً، وستين كيلومتر عرضاً؛ وبلغ جحمُ ما قذفه من حُمم ثلاثةَ آلاف كيلومتراً مكعباً؛ وترسّب من ذلك البركان القديم في وسط المحيط الهندي قرب جزيرة سومطرة، طبقةٌ من الرماد سُمكُها 35 سم. والأكثر من ذلك، أن حُمم طوبا كانت غنيّة بالكبريت، الذي أدّى إلى تكوين سحب من ذريرات حمض الكبريتيك، وهي طويلة المدى الزمني، معلّقة في هواء الطبقة من الغلاف الجوي المعروفة باسم (الرقيع الأعلى) أو الاستراتوسفير، وكان لذلك تأثيرُه الكبير على المناخ.
وثمة تقديرٌ لما أوقعه طوبا من تأثيرات بالمناخ العالمي يقولُ بأنه تسبّب في خفض درجة الحرارة بمقدار خمس درجات مئوية، ودام ذلك لعدة سنوات، الأمر الذي أثّر بالسلب على نموّ النباتات وعلى الحياة في المحيطات.
وقد توصّل جيولوجيون أمريكيون إلى دلائل على وجود بركان خامد في منطقة المحمية الطبيعية المشهورة باسم الصخرة الصفراء، ويتوقعون له – إن نشط – أن يغطّي كلّ مساحة الولايات المتحدة الأمريكية بطبقة من الرماد البركاني عمقُها متر. ويرى هؤلاء العلماء أن بركان تلك المنطقة ينشط مرّةً كل 600 ألف سنة، وكانت آخر ثوراته المدمّرة قبل 620 ألف سنة، أي أنها تأخرت نحو 20 ألف سنة!
ويلفتُ أحد خبراء ترتيبات مواجهة الأخطار البركانية نظرنا إلى حقيقة أن الثورات البركانية ليست أحداثاً نادرة، بل هي شائعة، وعدم علمنا بها لا يعني أنها غير موجودة، فهي تحدث في أماكن بعيدة، ومراكز غير مأهولة، مثل منطقة ألاسكا، ولا تأتينا أخبار عن معظمها.