العدد (256) - اصدار (1-2014)

أحلام مُلوّنةً أميمة عزالدين

كنت أُراقِبُ أبي وأنا صغير وهوَ يأتي بِالصّوفِ المُلوِّنِ ويَغزِلُهُ باستخدام النّوْلِ أياما وليالي طويلةٍ حتّى يُفاجِئنا بِقِطعةٍ فنّيّةً رائِعةً مِن الكليمِ، في ليالي الشِّتاءِ البارِدةِ والطّويلةِ تأتينا أُمّي بِصِوانيِ القرفةِ بِالحليبِ.. يتناوَلُها مع كسراتٍ مِن الخُبزِ ويَستمِرُّ في عملهُ دون ضجرِ.. في أوّل كُلّ شهر يأتي التّاجِرُ بِسيّارتِهُ الفارِهة يتسلَّم كُلّ أعُمّال أبي بِمُبلِّغِ بسيطِ لا يُساوَي تعبَهُ ومجهودهُ وسهرهُ. كنت أشفق على أبي الّذي ألمح ظُهرِهُ وقد تقوّس فوْق النّوْلِ ومازالت أصابعه تغزُّل وتُعمِلُ في اِجتِهادِ وإخلاص.. قلت لهُ في تردُّدِ: هذا التّاجِرُ يستغِلُّ أعمالك ومجهودكَ يا أبي.. أرجوك لا تُعطهُ الكليمِ المُلوِّن مرّةً أخرى.