العدد (459) - اصدار (2-1997)
يمكن الحديث عن الذاكرة الحافظة للشاعر التقليدي! من غير الحديث عن الوزن والقافية! من حيث الدور الإيقاعي الذي يقومان به في تحريك الذاكرة الحافظة وإثارة تداعياتها في اتجاه خاص دون غيره! أثناء عملية النظم التي تعطف معنى الإحياء على معنى الاستعادة! وتدني بكليهما إلى خاصية الافتعال التي يتميز بها الشعر التقليدي.وبمجرد أن يختار الشاعر لنفسه وزنا خاصا وقافية بعينها! ينظم عليهما! فإن العدد العديد (أو القليل) المختزن في ذاكرته من القصائد القديمة المتحدة مع هذا الوزن وتلك القافية يتأهب للحركة في المستويات الشعورية واللاشعورية من ذاكرة هذا الشاعر
قالت له: كنت قد جئت من سدمنت الجبل! فاكر! المهمة التي أوفدتني أنت إليها! من أسبوع! قضيت الليل بطوله في قطار الصعيد! كما تعرف! نصف نائمة نصف مكومة على مقعد الدرجة الثانية.. لا تسمح اللوائح بأكثر منها.أومأ إليها دون أن يتكلم.قالت: في أول ضوء للنهار! كأننا في عملية عسكرية! كان كل شيء على أهبة الاستعداد. كانت التوابيت الخشبية الثلاثة راقدة! في المقبرة! تحت ركام الهدر! واضح أنها منتهكة! ومنسية! هُجرت على عجل.عندما أزاح العمال الصعايدة أكوام التراب والحجارة عن أول تابوت ـ تحت توجيهات المعلم سيد زهران!
سوف يطلع من هذه الأرض طين عليٌ عن الطينِ
نحن لسنا سوى مجموعة من التناقضات". كان يقول ذلك حين قابلنا اللوري وأحسسنا بأن سيارتنا الفولكس الصغيرة تتلاطمها الرياح المتدافعة. كان طريقا ضيقا لا تبطىء عليه السيارات. كلمة "التناقضات" تعلقت في الهواء للحظة. فكرت: ذلك هو السبب في أن الدنيا بخير.. ولكن ماذا بعد ذلك? وما الفائدة? على هذا النحو كنت مدهوشة وكنت أحس في الوقت نفسه بأننا ما عدنا نسير على الطريق مع أن سيارتنا كانت لاتزال تختط طريقها بدأب.