العدد (638) - اصدار (1-2012)
الثورات سيول التغيير. وحين ينهمر السيل فإنه لا يجرف أمامه شخوص العهد البائد وسياساته فحسب، بل بلاغاته أيضًا، وبينما تشق الثورة لنفسها مجرى جديدًا، تتشكل بلاغة جديدة، فالثورات تلد بلاغاتها. كانت الثورة على البلاغة البائدة ثورة على بلاغة تضليلية مستبدة مراوغة، لمصلحة تأسيس بلاغة صادقة تحررية مباشرة. لكن الصراع لم يكن من السهل حسمه، فقد كان فضاء المجتمع المصري مسرحًا للصراع بين خطابات عدة، كل منها يسعى لترسيخ بلاغته والدفاع عنها
بدت حياة الإنسان منذ فجر تاريخه حافلة بالكفاح، يناضل الطبيعة ويناضل الإنسان أيضًا. صاد ليأكل، وحفر ليشرب، وتزوج ليأنس، وثار وتمرد لكي يعيش. كانت حركة الإنسان نحو النور، أو سعيه لتأكيد إنسانيته، مرهونة على الدوام بثورة يمارسها ضد قيود نفسه، قبل أن يعلنها في مواجهة الآخر، ثورة متنامية نحو هدف وحيد هو تجاوز المحظور، تجاوز هو في حقيقته إماطة للثام عن الواقع وكشف الحجب عن المستقبل وخوض طريق طويل في أعماق صناعة التاريخ
علمتنا كتب التاريخ الدراسية عن الثورات العربية في القرن العشرين مفاهيم كثيرة ما لبثت أن تغير بعضها عندما مرت الأزمنة، وصارت أشياء مختلفة مع مرور الزمن. ولم يكن غريبًا أن السينما في الكثير من البلاد العربية قد لعبت أيضًا الدور نفسه، مع الكثير من التفصيلات، كما سعت أفلام عدة إلى إثبات فساد النظام السياسي الذي قامت الثورات ضده، وكان المقصود بالنظام السياسي الحاكم وحاشيته، وليس الاستعمار العسكري أو السياسي
لم يكن الشعار الذي أطلقه شباب ثورة 25 يناير 2011 «ارفع رأسك فوق.. أنت مصري» مختلفاً في جوهره عن شعار الزعيم التاريخي جمال عبد الناصر في ثورة يوليو 1952 «ارفع رأسك يا أخي فقد مضى عهد الاستبداد».. بل لقد رأينا صورة «ناصر» مرفوعة بكثرة بأيدي المتظاهرين خلال مليونيات ميدان التحرير، لتعكس معنى التواصل والتماهي بين الثورتين، خاصة مع بروز مبادئ الحرية والعدالة والكرامة على رأس شعارات ثورة يناير الأخيرة، وهي المبادئ نفسها التي قامت لتحقيقها ثورة يوليو 1952