العدد (670) - اصدار (9-2014)
في مدرسة للفن أقيمت ملحقة بسوق للعاديات، بمدينة سمرقند، أتجول عبر البصر آيات الفن المعلقة والموزعة على الأركان، حتى أتوقف أمام دكان مفتوح، يجلس في قلبه رجل غاب عما حوله وهو ينحني بريشته الدقيقة فوق ورقة متوسطة المساحة، يسكبُ فيها عصارة الفن، وخلاصة الأدب، وروح التاريخ، وسحائب الأسطورة. لم ينتبه الفنان الحِرفي لحضوري إلا حين انتهى من لون، واتجه ليغسل الريشة فيختار آخر. نظر إليَّ بصمت، وأشار إلى كرسي أمامه، لأجلس، وكأنه في خلوة لا يريد أن يفسدها بكلام، وكأنه ينسج قصيدة روحانية لا يصح أن تدخلها مفردة مادية. هو الأمر نفسه كلما تـأملت هؤلاء الفنانين الذين يحيون فن المنمنمات حول العالم. إنهم يفتحون لك بوابات التأمل في دقائق الخطوط التي تتسع لعظائم الحكايات، التاريخي منها والأسطوري. تصف اليومَ كلمة «منمنمة»، في اللغة العربية، كلَّ ما هو مُصغَّر، ويقابلها في اللغة الإنجليزية miniature التي استمدت مفردتها من كلمة minium اللاتينية، وهي «الصورة الدقيقة المزخرفة في المخطوطات». ويمكن وصف المنمنمات بأنها «لوحات مصورة مُصَغَّرة، تضم رسوما وزخرفة ونصوصا، ذات تفاصيل دقيقة».
في واحد من أروع أفلام المخرج الأمريكي الكبير فريد زينمان (رجل لكل العصور، 1966م)، يقول توماس مور لابنته: «حين يضعنا الله في موقف عصيب، علينا أن نُعمل العقل ما استطعنا، فإن نجحنا في التغلب على المشكلة، فهي مشيئته هو لا مشيئتنا نحن، أما نحن كبشر، فتنحصر مهمتنا الأساسية في الهروب».