العدد (658) - اصدار (9-2013)
بيت غزلي ألقاه مسلم بن الوليد أمام هارون الرشيد من خلال سؤال لا يبحث عن جواب أكسبه لقبه الغارق في دلال الغزل وصرعة الشعر وما يحيل إليه أحيانا من صراعات. إنه صريع الغواني كما أمره هارون الرشيد أن يكون عندما سمعه يقول: «هل العيش إلا أن تروح مع الصبا / وتغدو صريع الكأس والأعين النجل؟».
سألني صديق من علماء النفس رأيي في مصطلحات، أو مشاريع مصطلحات، مستحدثة أُلحقت بها زيادةٌ بلفظ «ياء»، قياساً على كيمياء وفيزياء ونحوهما، ومنها كلمة فيمياء تعريباً لـ(Phénoménologie (Phenomenology، أي علم الظواهر، وعِلْمياء تعريباً لـ(Épistémologie (Epistemology، أي فلسفة نقد المعرفة، وهكذا. بمعنى استعمال لفظ «ياء» كلاحقة (أو كاسعة) عربيّة تدلّ على العِلم أو النظريّة. وقد أنكرتُ ذلك مؤكداً أنّ «ياء» في نحو كيمياء مأخوذة من «يا» اليونانيّة في Khêmeia (خيميا)، التي جعلها العرب بلفظ: خيمياء، وأخذها الفرنسيّون عنهم فقالوا Alchimie (أَلْشيمي)؛ ولا ندري كيف تحوّل اللفظ إلى الكيمياء بإبدال الخاء كافاً، لكنّنا نعرف أنّ مَخرج الكاف قريب من الحلق، مخرجِ الخاء، ونعلم أنّ العرب أبدلت الخاء من الكاف في نحو كلمة خوري، ذات الأصل اللاتينيّ. وقريب من ذلك مصطلح فيزياء، مع بعض الفروق. لكنّ هذه الإجابة تحتاج إلى استقصاء، لأنّ في العربيّة كلمات توحي الانتهاء بتلك اللاحقة، ولاسيّما كلمة سيمياء، ولذلك عمدنا إلى جمع تلك الكلمات ودراستها.
إن اختيار مصطلح «رواية» ليتصدر غلاف هذا النص «من أوراق شاب مصري» الكاتب حمزة قناوي يثير تساؤلا عن طبيعة هذا النص وانتمائه النوعي، لأن تجاوز الغلاف والعنوان إلى المتن يستدعي إلى الذهن مصطلحين آخرين هما «السيرة» و«المذكرات العامة أو اليومية»، وهذا بدوره يقودنا إلى منجزات الحداثة النقدية، ثم ما بعد الحداثة، وقد انضاف إلى الحداثة وما بعد الحداثة مرحلة طارئة لم يستفض الحديث عنها بعد، هي مرحلة: «بعد ما بعد الحداثة» وأتوقف قليلا عند المرحلة الأخيرة، لأنها أوغلت في «ذوبان النوعية» وتداخل الأعراف والتقاليد، وكسر الحواجز الفارقة بين الإنسان والحيوان، والإنسان والآلة، والطبيعي والصناعي، وصولاً إلى «الحداثة الرقمية» التي حولت الإبداع من الفردية إلى الجماعية، وعددت مستويات النص بتعدد مؤلفيه.
قبل ثلاثين عامًا أو أكثر كنت كلما زرت القاهرة أحرص على زيارة مجمع اللغة العربية في الزمالك لأحصل على إصداراته الأخيرة، ولأجري حوارًا مع رئيسه الدكتور إبراهيم مدكور.
لماذا نعود إلى دراسة الشعر العربي القديم دراسة نقدية بعد قرون من إبداعه, يصل بعضها إلى ما يزيد على خمسة عشر قرنا؟ وكيف يمكن أن تسهم دراسة كهذه في بلورة مبادئ فكرية مكوِّنة لبُنْية ثقافية عربية معاصرة حديثة في مجالي الإبداع الشعري والكتابة النقدية؟
إذا كانت الحياة في مكان آخر، فيجب أن تكون في القاهرة، حيث روح الكتابة في القاهرة، يشبه الانبعاث. كما لو أن تلك الحرارة العالية والغبار، يحملان ذرّات روحية لآباء الإبداع الفرعوني، ذرّات متناثرة في الغبار وأشعة الشمس، ما إن يمسّ جلدك، حتى تتفتح خلاياك الروحية، وتستسلم للكتابة.
لعائلتي موروث غريب، وهو ليس تحفة تاريخية مثل لفافة من روائع الخط، وليس أثراً ولا سيفاً ولا جوهرة ذات قيمة في السوق، وليس تذكاراً يبرهن أسلافنا من خلاله على مكانة العائلة الاجتماعية أو المالية. وأنا الشخص الوحيد الذي ينظر إلى هذه القطعة باعتبارها كنز العائلة. ولم يحدثني جدي ولا أبي عنها، وكل ما هنالك أنني تصادف أن اكتشفتها مخبأة، منسية تماماً، وحافظت عليها باعتبارها كنزي.
عندما وقفت عن الكلام، سألها مستفسرًا: أيا شهرزاد ماذا حصل؟ لماذا صمتِّ؟ والله سروري عظيم لما ترويه لي. أنْسَيْتيني مرور النهارات والليالي، وإشراقة الشمس وغروبها وبزوغ القمر، وبتُ محتارًا، أأُحقق ما قرّرته بانتقامي من النساء الخائنات، أم أعيش في حكاياتك التي تنقلني من بلد إلى بلد على بساط خيالك وعلى بساط الريح الذي أوصلني إلى أعلى السماوات وأعمق البحور؟ ابتسمت شهرزاد وشعرت بأن ما قاله شهريار يشجّعها على أن تحاوره.