العدد (469) - اصدار (12-1997)

ملف محمود شاكر: قراءة في دفتر قديم يعقوب يوسف الحجي

أتاحت لي الظروف المستجدة العودة إلى أحد دفاتري القديمة التي أحتفظ بها كما يحتفظ صاحب الكنز الثمين بكنزه, وهذا الدفتر قديم لأنه يعود إلى سنة 1957 حين بدأت الكتابة فيه, وهو ثمين لأنه يضم خلاصة الدروس التي حظيت بالحصول عليها من العلامة المرحوم محمود محمد شاكر. لقد فتح هذا الرجل العظيم بيته ومكتبته أمام عدد كبير من طلاب العلم من شتى البقاع, ومنحهم من علمه الغزير, ومن لطفه وكرمه الشيء الكثير

قبس من روح هذه الأمة عبدالله حمد محارب

منذ خمس عشرة سنة على وجه التقريب كان الأستاذ يزورني في المكتب الثقافي, وكنت أحتفل بمثل هذه الزيارات من الأستاذ أيما احتفال على ندرتها, وأعلم أن لقائي به في أي مكان لابد أن يحمل لي فائدة علمية ما تكشف لي شيئا كان يتردد في عقلي وتفكيري محملاً بأسئلة لا أجد لها جواباً يقنعني. والقاهرة في ذلك الوقت ـ وأظنها إلى اليوم ـ كعبة ثقافية, وموئل للعديد من المثقفين العرب من كل مكان, والإصدارات الثقافية والأدبية تتوالى

قنوت الضارع المحب جاسم المطوع

في العام 1957 توجه نفر كريم ممن أتموا دراستهم الثانوية في المعهد الديني إلى الشقيقة مصر, وكان ضمن ما يحملونه معهم توصية من أستاذ لهم كبير لعلها تعينهم في غربتهم وتساعدهم في دراستهم الجديدة في دار العلوم حيث انتهى بهم المطاف. ولم تكن تلك التوصية تحمل معها سوى اسم لأستاذ وعالم جليل لم يكونوا قد سمعوا به شأن كثيرين غيرهم. كان بيته مقصدا لأساتذة وأدباء وشعراء وساسة وطلاب علم من أنحاء العالم الإسلامي المتراحب

الشيخ الذي لم يكن تقليديا محمود الربيعي

حين سمعت اسم محمود شاكر أول مرة, سمعته مقرونا باسم كبار محققي التراث العربي في عصره, أمثال أحمد شاكر, وأبوالفضل إبراهيم, وعبدالسلام هارون, وسيد صقر, كما سمعت اسمه يسبق بلقب "الشيخ". وقد استمر هذا اللقب يسبق اسمه بين الحين والحين, ربما بقصد, وربما بغير قصد, فقد ورد على قلم لويس عوض في مقدمة كتابه: "على هامش الغفران", مع خطأ في اسمه إذ سماه: الشيخ محمد شاكر! ولو كانت كلمة "شيخ" أو "الشيخ" تستخدم عندنا كما تستخدم لدى غيرنا في الدلالة ـ دائما ـ على "مرجعية" زمنية, أو ثقافية, أو دينية

لم يكف عن خوض المعارك ذنون يونس مجيد

بهذين البيتين تمثل المرحوم الأستاذ محمود محمد شاكر في المقدمة التي كتبها لكتاب "حياة الرافعي" تأليف محمد سعيد العريان, هذا الكتاب الذي نشره مؤلفه بعد وفاة الرافعي في 1937, في مجلة الرسالة, ثم طبعه في أوائل الأربعينيات, وأتمثل أنا اليوم بهذين البيتين في وداعه. وفي القريب سوف أودع أنا هذه الدنيا, فالفجوة الزمنية بين رحيل مصطفى صادق الرافعي رحيل محمود محمد شاكر فجوة واسعة, ولن تكون بأي حال, ما بيني وبين أبي فهر, مثلها

ذلك الأستاذ المتوحد صلاح فضل

كان ذلك في مطلع صيف عام 1962, فرغت لتوي من امتحان الليسانس في كلية دار العلوم وعليّ انتظار النتيجة حتى أعرف مصيري, همس لي صديق يكبرني بعدة سنوات يعمل معيدا في الكلية ذاتها ويعرف دروب القاهرة أكثر مني: ـ تعال أصحبك إلى بيت الأستاذ شاكر وأعرفه بك. كان صديقي حينئذ شابا عظيم الطموح والحيوية, عصاميا من الدرجة الأولى, حاد الذكاء واللسان

أي شلال هادر توقف محمود الطناحي

في الساعة الخامسة من عصر يوم الخميس 3 من ربيع الآخر 1418 هـ ـ 7 من أغسطس 1997 دُعي محمود شاكر فأجاب, وبعد نصف ساعة من انتقاله للرفيق الأعلى كنت على رأسه ألقنه الشهادتين, ثم دارت بي الأرض وأنا أنظر إلى هذا الجسد الساكن وقد صرعه الموت, وهو الذي غالب المحن وصارع الشدائد, فلم تلن له قناة, ولم يخفت له صوت, ولم يرتعش في يده قلم, حتى جاءه القاهر الذي لا يُغلب. ثم نظرت إليه أخرى وقلت: أي صوت مجلجل سكت

مرثية إلى أبي فهر عبداللطيف عبدالحليم

صوح ناديه, وانطوت كتبه, يا راحلا, ليت صدقه كذبه قد أعنقت للمنون رحلته, وأوغلت في يقينه ريبه

فكر سديد.. ورأي رشيد جمعة الياسين

تعرفنا على أستاذنا وشيخنا ووالدنا العالم الأديب الشاعر الكاتب المحقق اللغوي أبوفهر محمود محمد شاكر قبل أربعين سنة وكان ذلك في سنة 1957 بعد ذهابنا للدراسة بمصر, فقد كنا طلابا بمعهد الكويت الديني وكان أستاذنا العالم الأديب أحمد صقر رحمة الله عليه يدرسنا الأدب العربي بمختلف ألوانه وأشكاله وعصوره من شعر ونثر وكان يشجعنا على قراءة كتب الأدب ودواوين الشعر وأمهات الكتب العربية, ففي نهاية العام الدراسي 55/56 أنهينا الشهادة الثانوية