العدد (699) - اصدار (2-2017)

عن الصورة الشعرية د. جابر عصفور

كان أمل دنقل يعي جيداً الوضع الصعب الذي وضع فيه قصيدته، فقد كان يرفض الأشكال السياسية التي وجد فيها زمنه، ابتداءً من التسلطية السياسية التي ترفض كل أشكال الحرية، مروراً بالانكسار والهزيمة الماحقة في 1967، والتفسخ الاجتماعي الذي اقترن بزيادة معدلات الفقر، وأخيراً مفارقة النفط، الذي لم ير أنه يستخدم في مصلحة تقدم الأمة العربية وتحقيق العدالة بين أفراد شعوبها. وكان يعلم في الوقت نفسه خطورة أن تتحول قصيدة الرفض إلى دعاية سياسية أو خطابة سياسية.

الحسبة على الخطاطين والوراقين... ومكانة الخط من المنظور الشرعي د. وليد عبدالله المنيس

يمتاز موضوع الحسبة بالشمول والسعة والتفصيل الدقيق، لأنه يعمل على مراقبة وتصويب الأقوال والأفعال والأعمال والمقاصد والسلوك العام للإنسان، ما أكسبه صفة «النظام»، ولهذا يسمى «نظام الحسبة»، وتزداد أهميته إذا ما ربط بصناعة الكتابة والوراقة. يركز هذا المقال على أحد جوانب الأعمال التي يقوم بها المحتسب تجاه فئة مهنية معروفة كانت تقوم مقام دور النشر في أيامنا هذه، تلك الفئة المهنية هي: فئة الخطاطين والوراقين. تتبنى الدراسة المنهج الوصفي مع استعراض لما يتعلق بفئة الخطاطين والوراقين أو صناع الكواغد والأحبار والأقلام خاصة من المنظور المهني.

نحـنُ وأوربا د. أَحـمـد عُـلَـبـي

كيف أَدخل في المقال والغيم الخريفيّ يحجب الشمس، ويجذبني إلى حِضْن صمته، ويدعوني إلى الركون والحنين؟ هذا الغيم كان يحيّرني عندما كنت صغيراً، يضعني خارج الزمن، فلا المكان مكان ولا الزمان زمان. ولكأنّي كنت عندئذٍ أُشاهد الدنيا لأَوّل مرّة، وأَعجب وأَتململ من هذا الغيم الخريفيّ وأَروم الفِرار من عقابيله؛ فهو قابض على صدريَ، يُنيخ غُرْبته على أَعصابيَ الطريّة، ويرمي بثقله الكابوسيّ؛ فكأنّ الدنيا خرجت من أَلوانها وغدت بيضاء وسوداء فقط، وصارت صورة «ماتْ» جافّة لا لمعان فيها ولا أَلَق. وكبِرتُ وسافرت، وتغيّرت الحال، حاليَ، مع هذا الغيم الخريفيّ، فغدا عندي أَثيراً محبَّباً، أَترقّب مَقْدَمه منشرح الصدر، فاركاً كفّاً بكفٍّ؛ وأَحد أَصدقائي يداعبني قائلاً: هيدا غيمك أبو عمّار! وهذا الطقس الغائم، العابر لدينا، يكاد يكون الطقس الأوربيّ المألوف.

رسائل من البادية «الملكُ الضلّيل» كمال عبدالرحيم

في هضبة من هضاب نجد، رأيت خيولاً ومضارب وبقايا نار، يجلسُ رجالٌ أمام خيمةٍ ملونةٍ موشومةٍ برسوم كندة ومآثرها، يتحلقون حول الملك الضّلّيل امرئ القيس بن حُجر الكندي. على بعد خطواتٍ سمعتُ صوت إحدى القيان، تغني شعر سيّدها. أفاطم مهلاً بعض هذا التّدلّل وإنْ كنت قد أزمعت صرمي فأجملي وإنْ تكُ قدْ ساءتك مني خليقةٌ فسُلّي ثيابي من ثيـــــابك تنسُل أغرّك مني أنّ حبــك قاتلي وأنك مهما تأمــــري القلب يفعل؟ وما ذرفتْ عيناك إلا لتضربي بسهميك في أعشار قلـــبٍ مُقتّل

من «امرأة في إناء» إلى «حكاية صفية» ليلى العثمان... جرأة التعرية وصلابة المواجهة عبدالكريم المقداد

بين التواطؤ على طمس الأنساق الاجتماعية المختلة، والإصرار على تعريتها بغية تقويمها، انحازت الأديبة ليلى العثمان إلى الخيار الثاني، على الرغم من أخطاره التي اكتوت ببعضها لاحقاً. فمنذ بداياتها القصصية عمدت إلى مواجهة الواقع، والكشف عن دمامله الاجتماعية المتقيحة، محاولة تطهيرها ومداواتها للانتقال إلى واقع اجتماعي صحي. ولم تقصر اهتمامها في خضم ذلك على المرأة فقط، بل تجاوزتها إلى قضايا الإنسان عموماً. حاربت الهيمنة الذكورية، تماماً كما حاربت التسلط النسوي، ووقفت إلى جانب المرأة المضطهدة وقوفها إلى جانب الذكر المغبون.

الأنثى الأخرى في سيرة ليلى العثمان الروائية أحمد حسين حميدان

إن الأعمال الإبداعية التي تناولت معاناة المرأة من سلطة الذكورة الاجتماعية أكثر من أن تحصى، بينما الأعمال التي تناولت مكابدات المرأة من المرأة نفسها ليست بهذه الوفرة بكل تأكيد، برغم أن الخلافات بين أبناء الجنس الواحد أكثر من الخلافات بين الجنسين، كما يقول روبرت لوي تيفنسن.

من أرجونا إلى غاندي ... إلى أروندوتي روي ماذا تقول أغنية الهند السماوية؟ محمد الأسعد

بتأثير عقيدته الباكتية (التوحيدية)، أطلق المهاتما غاندي (1869-1948) على أبناء طبقة المنبوذين الشهيرة في الهند لقب «أحباب الله»، في محاولة منه لاستكمال صراعه التحرري من أجل هند جديدة من رواسب القرون الماضية. وكان يمكن لهذه المحاولة أن تحرّر المخيلة الهندية، والبشرية بشكل عام، من استعمار للمخيلة والوعي ينبع مما يعتبر نصوصاً مقدسة في التراث الثقافي الهندي، ويكرّر طوفانه من عصر إلى آخر.

رياض الصالح الحسين وشِعريّة التفاصيل إينانة الصالح

أصاب رياض الصالح الحسين ( -1954 1982م) مرض مفاجئ، وهو في الثالثة عشرة يرجّحُ أنه عبارة عن قصور كلوي جعله يوقف دراسته، ويقترن على مدى سنواته التالية بإعاقةٍ سمعيةٍ ونطقية، مرفقاً بضعف في العلاقات الأسرية والعائلية، حيث كان ابناً لزوجة ثانية لأبيه، شكّلا سرّه الخفي، جاعلين إيّاه آلةً لتصدير الفرح بينما الانكسارات وجعه الدفين، إنه الشاعر رياض الصالح الحسين الذي ولدَ في بلدة مارع شمال حلب، ثم انتقل إلى حلب المدينة، وبدأ العمل لكسب عيشه في معمل للغزل، ثم في مؤسسة جامعية تعرف فيها إلى أول الأشخاص المهتمين بالأدب (علي كتخدا ونذير جعفر وبشير البكر)، ومن بعدهم مجموعة مهمة من الكتّاب (نبيل سليمان ونجم السمان، وحامد بدر خان).

نظرات في... «أثقل من رضوى» د. إيهاب النجدي

في أكثر حالات السرد الذاتي توهجاً وانسجاماً مع القيمة الاجتماعية لفن السيرة، تتخلى السيرة الذاتية النسائية عن اجترار الذات، وتنعتق من «الأنا» الضيقة، وتتحرك إلى الخارج لتكون شهادة على الآخرين، وعلى المجتمع في فترة من فترات حياته. وعند ذاك يمتزج الموضوعيّ بالشخصي، وتضحي قضايا الوطن، والتحرر والاستبداد السياسي، بل قضايا النساء عامة، جزءاً مشتبكاً بالذات، وتطلعاتها وهواجسها. وعند ذاك أيضاً، تتولّد الخصوصية والتمايز، فحين تجنح سير الرجال إلى معالجة مشكلات المجتمع، وقضاياه الكبرى من خلال تجاربهم، وليس العكس، تمضي سير النساء نحو التعبير عن قضاياهن، والكشف عن سرائرهن، في إطار من الهموم العامة، والمتاعب التي ترافق كل امرأة، وعبر حركة الإحساس الجمعي، ويحدث ذلك التناغم الخلاق بين الذات والآخر.