العدد (753) - اصدار (8-2021)
في أواخر سبتمبر سنة 1961، كنتُ أخطو خطواتي الجامعية الأولى في اتجاه أبواب جامعة القاهرة، وكنتُ أعبر شارع الجامعة فرحًا بهذا الحدث البهيج الذي لم أكن قد فعلته من قبل. وكان الطلاب والطالبات من حولي يتناثرون كالفراشات ممتلئين بالفرح والحبور، وكانت البهجة على وجوههم تشغلني أكثر من الطريق أو الشارع الذي امتلأ بي وبهم، وسرتُ في الموكب الطويل الذي امتد من ميدان الجيزة (حيث كنتُ أقطن بالقرب منه) إلى أبواب جامعة القاهرة.
من الرفض الصارم لقصيدة النثر، والعداوة الشرسة مع شعرائها، إلى الرفض الليّن لها، والعداوة باستراتيجية «شَعرة معاوية» مع شعرائها، تتلخص معركة درويش مع قصيدة النثر، منذ بدأها بمقاله الشهير «أنقذونا من هذا الشعر» في مجلته الكرمل 1982، إلى حواره الشهير مع مجلة أخبار الأدب المصرية عام 1997، واصفًا قصيدة النثر بـ «جنس أدبي ما» ومع قناة mbc عام 1997، واصفًا شعراءها بالأصدقاء الذين يسعون إلى نفي وإلغاء قصيدته، ولا يحترمون خياره الشعري، والذين يشكّلون ميليشيات تمارس إرهابًا لا مثيل له، على حدّ قوله الضاحك، لصديقه الشاعر والناقد الفلسطيني د. عزالدين المناصرة.
لا شك في أن الشعر العربي اهتمّ بالمرأة اهتمامًا بالغًا، فتنوعت الاتجاهات العاطفية، واختلف الشعراء في أهدافهم ومراميهم. ولا شكّ في أن «دائرة الأغراض الشعرية قد اتسعت في العصر الحديث، نظرًا إلى اتساع الثقافة والاطلاع على الآداب العالمية، والفكر الغربي، والتأثر ببعض الشعراء الغربيين». وعمر أبو ريشة شاعر عصري خصّص أكثر من نصف ديوانه بقليل في المرأة التي نظر إليها بعين سينمائية خاصة وخيال مجنّح، وحاول استكناه عواطفها بعيدًا عن وصف مفاتنها الجسدية وتحريك الغرائز البشرية، فانتقل في لوحاته من كريمة إلى كريمة، ومن شقية إلى شقية، حتى بدا مجدّدًا في قصائده، ومميّزًا في أسلوبه وطريقته تجاه المرأة التي تناولها كقضية إنسانية اجتماعية، ووطنية قومية.
ميغيل دي سيرفانتيس مؤلف وأديب إسباني ذاع صيته وراج اسمه إلى درجة اعتبره البعض شخصية روائية؛ أو شخصية متخيلة ربما تكون قد تسللت من الرواية الشهيرة «دون كيخوتي دي لامانشا»، في حين أنه هو من وقَّع وأبدع هذا العمل العلامة في تاريخ الرواية والأدب العالميين. عرفت حياة دي سيرفانتيس انعطافات عدة ومطبّات ولحظات زهو قليلة وتجارب رهيبة، كانت كفيلة، بالفعل، بأن تجعل منه شخصية روائية جذابة.
يَعتبر إيزر أنّ أصل نظرية التّلَقّي ينبني على عنصرين أساسيين؛ أوّلهما أن الدّلالة الشِّعْرية لا تُتصور خارج المركب، فيقول: «مادامت الدّلالة لا تنجلي من خلال الكلمات، وما دام مسلسل القراءة لا يمكن أن يُتصور في مطابقة العلامات اللّسانية المعزولة، فإنّ المجموعات الشّكلية (أو المشكّلة) هي التي تجعل فهم النّص ممكنًا»؛ وثانيهما الفصل بين الرّسالة كغرض والرسالة كمَعْنى شعري، إذ يقول: «إن عدم فقدان القدرة على التواصل ظاهرة صحية في النصوص الأدبية. فكثير من النصوص تستطيع أن تتكلم وإن ماتت رسائلها ولم يعد لمعناها أية أهمية».
بليد... بليد جدًا هذا الوقت... عالَم غريب لم نألفه من قبل... كأن شيئًا كونيًّا قد حدث... ينفث ما جعبته... يزفر... يتأفّف...
لاح طيفُه من بعيد باهتًا كالظل، يرفس بأقدامه الغليظة الطين والمنحوتات الحديثة، فتبقى آثار حذائه الكبير منطبعة لتشي بالجريمة في حق ذلك الطين البكر، صرخت الدُّمى فزعةً صرخةً مكتومة، قبل أن يشرع في رميها واحدة تلو الأخرى في أعماق البحيرة... «الموت للكفرة»... «حطّموا هذه الأصنام»... «حطّموا الأوثان»... «الله أكبر».