ملتقيات العربي

ندوة حوار المشارقة والمغاربة

كلمة رئيس تحرير العربي

الجلسة الافتتاحية
كلمة رئيس تحرير العربي
بسم الله الرحمن الرحيم

معالي وزير الإعلام..
معالي الوزراء والسفراء
الإخوة المفكرون والأدباء، ضيوف الكويت الكرام.

         أحييكم أطيب تحية، وأرحب بكم في بلدكم الثاني الكويت. أرحب بكم جميعاً باسم مجلة العربي، التي جعلت من صفحاتها وطناً لكل صاحب رأي، وكل ذي فكر خلاق، متمنياً لكم جميعاً إقامة طيبة، وحواراً مثمراً ومتجدداً.

         لقد درجت مجلة العربي، منذ ثلاثة أعوام، على إقامة ندوة سنوية تكون ملتقى ثقافياً يجمعها مع نخبة طيبة من المفكرين والكتاب من كل أنحاء البلاد العربية، وهدفها من وراء ذلك ليس فقط إثارة النقاش حول إحدى القضايا التي تهم العقل العربي والثقافة العربية، ولكنها تهدف إلى تفاعل أسرة تحريرها ــ المشرفين عليها والعاملين فيها ــ والمثقفين والأدباء في الكويت، مع ما يحمله ضيوفها الكرام من آراء وأفكار.

         فنحن لا نسعى إلى إصدار نسخة شهرية صامتة من المجلة، ولكننا نريدها أن تكون تعبيراً حياً عن الصخب الفكري الذي يدور في العقل العربي، لذلك فمن المهم أن ينشأ خلال هذه الندوة حوار خلاق تكون أطرافه مجلة العربي مع كل الخبرات الفكرية والثقافية التي تتواجد معنا اليوم.

         وعندما اخترنا ( الغرب بعيون عربية ) تساءل البعض ما أهمية أن نعود للماضي في اللحظة التي يجب أن ننظر فيها إلى المستقبل؟ وما أهمية الطريقة التي نظرنا، أو ننظر بها إلى الغرب في ظل العولمة وثورة المعلومات والاتصالات، وفي ظل مسعى غربي لفرض هيمنته الثقافية علينا، وإلغاء هويتنا الثقافية؟

         لكن الأمر ليس بهذا التبسيط المخل . فالقضية، من وجهة نظرنا، تصب في صلب أسئلة المستقبل. إذن إن الكيفية التي نظرنا، أو ننظر بها، إلى الغرب لا تعني الماضي فقط، بل هي تجسد ما نريده من المستقبل، لأنها تنطوي على رؤيتها، أو رؤانا المتعددة، للذات والآخر وللعالم من حولنا. ومن هنا تنبع أهمية هذه الندوة، حيث تجتمع نخبة من العقول العربية المبدعة تناقش وتقيم حصاد تفاعل الفكرين العربي والغربي.

         ويحتل موضوع ندوتنا الغرب بعيون عربية محوراً مهماً وحيوياً في هذه الأيام التي نعيشها. وقد طرحناه منذ فترة قبل أن تدق طبول الحرب في العراق. واضطررنا لتأجيله عندما طغى صوت المدافع على صوت الحوار. وها نحن نعود إليه اليوم بعد أن أصبح أكثر إلحاحاً وأهمية، فالعلاقة بيننا وبين الغرب ازدادت توتراً، والاتهامات المتبادلة أصبحت أعلى صوتاً، وامتدت أعمال العنف والعنف المضاد إلى بقاع لم تصل إليها من قبل، وبدا أحيانا أن لغة الحوار قد أصبحت مفقودة تماماً، وأننا في حاجة ماسة إلى من يعيدها إلى نصابها.

         ولا أريد أن أعود إلى التاريخ القديم، على الرغم من أن التاريخ كان دائما هو محور اهتمامي، ولكني تعلمت من حكمته أن المرء يمكن أن يتحمل المحن عندما تأتيه من الخارج كأمور طارئة. ولكن العذاب الحقيقي هو ما يصيب المرء من جراء أخطائه. وأعتقد أننا كعرب قد أخطأنا في حق أنفسنا، وفي طريقة فهمنا لما نطلق عليه الغرب الأوربي، القريب منا جغرافيا، والمناوئ لنا تاريخيا.

         ولا أريد أن أنساق وراء التفسيرات السهلة التي ترجع معظم الوقائع التاريخية إلى مادية الغرب وعدوانيته، في مقابل روحانية الشرق ووداعته، لأن في هذا التفسير تبريراً للتخلف ومسوِّغاً للهزيمة. فالغرب المادي يمتلك التفوق العلمي، بجانب الفلسفة والآداب والفنون، وكلها أمور تخص النشاط الروحي. والشرق الذي كان مهداً للأديان، لم يعصمه ذلك من الفرقة والتناحر بين القبائل المختلفة، والمذاهب المتعددة.

         فالمشكلة الحقيقية تكمن في قابليتنا للتحدي الحضاري كأفراد وشعوب. لقد واجهنا هذا التحدي الحضاري في القرون الوسطى أثناء الحروب الصليبية، واستطعنا أن نسترد الأرض التي سلبها، وأن نرغمه على العودة مهزوماً. ولكن في الوقت الذي حوّل الغرب هذه الهزيمة إلى قوة دافعة له، جعلته يخرج من ظلمات العصور الوسطى، دخل العرب إلى ظلمة التخلف والعبودية.

         وفي الوقت الذي أخذ الغرب بأسباب العلم الحديث، وأطلق العنان للعقل في تدبير حياته، تمسكنا نحن بأهداب الجهل والتخلف والخرافة. والمشكلة مع الجهل أنه يكتسب ثقة كلما طالت مدته، لذلك فقد أخذت الفجوة الحضارية بيننا وبين الغرب تزداد اتساعا.

         لقد ارتبطت النهضة العربية مع ازدياد نزعات التحرر، بإعادة اكتشاف الغرب من جديد، أو بالأحرى اكتشاف الوجه الحضاري منه، بعيداً عن جبروت الاستعمار. فقد حاول الرواد الأوائل اكتشاف الوجه الحضاري الآخر الذي يعتمد العقل منهجاً، والعلم وسيلة لتحقيق التقدم. وأعتقد أننا حتى الآن لم نستفد كثيراً من كتابات هؤلاء الرواد، ومن نظرتهم إلى الغرب. وأعتقد جازماً أن هذا أحد الأسباب في عدم اكتشافنا للطريقة المثلى للتعامل معه.

         إن ندوة العربي ( الغرب بعيون عربية ) تركز على محورين أساسيين. أولهما هو مناقشة المسائل المتصلة بصراعنا بالغرب كمدخل لا بد منه للإلمام بجوانب القضية. والمحور الثاني هو إلقاء الضوء على بعض ما كتبه الرحالة من كتب. وما أبدعه المهاجرون إليه من عرب اليوم، والكتب هنا تتعدى كونها كتباً. إنها الحياة واللب والجوهر لتجربة هؤلاء الرواد، والسبب الذي من أجله عاشوا وعملوا وماتوا. إنها خلاصة حياتهم، وأعتقد أن هذا المزيج هو ما سيعطي ندوتنا طابعاً فريداً.

         ولا بد من الإشارة هنا إلى الدور الذي قامت ولا تزال تقوم به مجلة العربي للمساهمة في اكتشاف الآخر، بخلاف العديد من المطبوعات الأخرى، فهي لم تكتف ببحث هذه القضية على المستوى النظري، ولكنها وضعتها على المحك، حين أرسلت محرريها و مصوريها إلى كل أرجاء المعمورة، ليقوموا بمئات الرحلات، ويعودوا بآلاف من الصور والموضوعات. ولم تتجه هذه الرحلات إلى الغرب فقط، ولكنها سعت لاكتشاف كل ثقافة مغايرة، وتعاملت معها بوعي وتفهم واحترام.

         إن مجلة العربي، وقد اكتسبت ريادتها في هذا المجال، لن تكف عن الرحيل، في المكان، وفي الزمان، فالرؤية والمعاينة هي جُل المعرفة، ورغم تزايد قنوات التلفزيون، ورحلة الكاميرات إلى كل الأماكن المنعزلة، فإن الكلمة والانطباع الشخصي هما ما يعطي للصورة قيمتها و مصداقيتها.

         إن مجلة العربي التي تعرفونها جيداً، وهي تطوي من عمرها خمسة وأربعين عاماً، تسعى بإصرار للتجدد والتطور واستيعاب العصر الذي تعيشه، فكراً وصورة، لتساهم في تقديم الجديد والنافع للقارئ العربي، الذي أنشئت من أجله، وأستطيع أن أؤكد أن الازدحام الشديد الذي نشاهده اليوم في الفضاء العربي، من قنــوات فـضائيـة، ومجـلات وجرائـد وكتـــب، لـم يــزاحـم العـربي، فهي لا تزال تحتفظ بمكانتها واحترامها وتأثيرها في محيطها.. هذا عن طبعتها الورقية الشهرية، أما موقعها الإلكتروني على شبكة الإنترنت، فقد تعامل معه أكثر من مليون قارئ خلال ستة عشر شهراً، منذ افتتاحه لأول مرة.

         إن الكويت التي أطلقت هذا المشروع الثقافي العربي في عام 1958 ، تشعر بفخر واعتزاز بأنها كانت صائبة فيما أقدمت عليه في ذلك الوقت، وهو مشروع نسعى إلى تطويره وتوسيع رقعته لغوياً، حيث نأمل أن تصدر منه نسخ بلغات حية نتواصل بها مع شعوب العالم في عصر نحن أحوج ما نكون فيه إلى أن يقرأنا العالم ليتفهم قضايانا، ويستوعب ثقافتنا.

         أيها الإخوة الأعزاء..

         أرحب باسمكم جميعاً، بكل الهامات الشامخة من أفراد ومؤسسات، تكرمهم العربي هذه الليلة، اعترافاً وتقديراً منها بكل ما قدموه من عطاء من أجل إقامة جسور من الحوار بيننا وبين الفكر الغربي، آملين أن تثمر هذه الجهود، وأن يطيل الله في عمر هؤلاء الرواد.

         يقول الصوفي محمد بن عبد الجبار النفري ( كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة ..) و نحن نتمنى أن تتسع كل عبارات النقاش لتحتوي على كل الرؤى المتباينة، لأننا ندرك أن اختلاف الآراء هو أحد مظاهر الحرية التي افتقدناها طويلا. أشكركم مرة أخرى، وأتمنى لكم إقامةً طيبةً ونقاشاً جاداً مثمراً.

         والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،