ملتقيات العربي

ندوة حوار المشارقة والمغاربة

الغرب في عيون عربية



الجلسة الافتتاحية
كلمة معالي وزير الإعلام 
بسم الله الرحمن الرحيم

أيها السيدات والسادة، ضيوفنا الكرام.

         يسرني أن أحمل لكم تحيات سمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، رئيس الوزراء وراعي هذا الحفل، الذي يرجو لكم الإقامة الطيبة، وأن تكون ندوتكم ناجحةً وحافلةً بالمناقشات المثمرة.

         وإنني أرحب بكم جميعاً إخوة كراماً، وأهلاً أعزاء، وإنها لمناسبة سعيدة أن يجمعنا هذا اللقاء، الذي يضم نخبة بارزة من المفكرين والكتاب والباحثين من كل مكان في عالمنا العربي على أرض دولة الكويت، ففي الوقت الذي نودع فيه آخر أيام هذا العام، شهدت الكويت أحداثاً سياسية وثقافية مهمة. على المستوى السياسي، اجتمع على ثراها قادة دول مجلس التعاون الخليجي، ليواصلوا مسيرة الخير والبناء لشعوبنا الخليجية والعربية. وعلى المستوى الثقافي، افتتح معرض الكتاب، الذي لم تجتمع بين جنباته العديد من دور النشر العربية والدولية فقط، ولكنه حفل بالمناقشات الفكرية والأمسيات الشعرية أيضاً. ويؤكد كل هذا على دور الكويت كمنارة من منارات الفكر والثقافة العربية على ضفاف الخليج.

         إن الموضوع الذي تطرحه هذه الندوة الثقافية، لا تنحصر آثاره بين جدران هذه القاعة، ولا يقتصر فقط على الجانب الثقافي، ولكنه يمتد ليشمل كل جوانب علاقتنا بالآخرين، وتركز هذه الندوة بوجه خاص على علاقتنا مع الغرب بمعناه الحضاري، الذي يضم أوربا وأمريكا معا. وهي علاقة طويلة امتدت من تخوم العصور الوسطى، حتى مشارف القرن الواحد والعشرين. شهدت شداً وجذباً، ومواقع ومعارك، ونقاطاً كثيرة للتلاقي، ونقاطاً أكثر للاختلاف.

         فالسفن التي جاءت تحمل راية الصليب، وتحتل أرض فلسطين في العصور الوسطى، قد فتحت آوار النيران لمعركة مازالت محتدمة على الأرض نفسها. والمعارك التي نشبت بحد السيوف، واستمرت وصولاً إلى أحدث الأسلحة، قد طغت كثيراً على وقائع التفاعل الحضاري، والتلاقح الفكري الذي حدث بين الحضارتين العربية الإسلامية، والغربية المسيحية. وحتى الآن فإن صخب الصراع يعلو على صوت الحوار، وتبادل الاتهامات لم يترك لنا مجالاً للتفاهم حول ما يهمنا من قضايا. وعلينا أن نعترف أننا حتى الآن لم نجد الصيغة التي نستطيع بها أن نتفاهم مع هذا الغرب. وهو قصور من الجانبين في اعتقادي.

         إن التفاهم والحوار وبحث القضايا، بدلاً من الصراع حولها، كانت دائماً إحدى السمات الثابتة للسياسة الكويتية في كل المجالات. ولعلكم تابعتم النتائج التي انتهت إليها قمة التعاون الخليجي، التي عقدت هنا في الكويت منذ أيام. فهذا المحفل الخليجي المميز يعطينا جميعا المثل والقدوة في السعي من أجل اكتشاف نقاط الالتقاء والحوار الدائم من أجل تذويب نقاط الاختلاف. وقد أظهر هذا المجلس ــ رغم التحديات التي تواجهه ــ أن حلم التكامل العربي ليس بعيد المنال. فمن خلال هذه البوتقة التي تنعقد على ضفاف الخليج، والتي تتفاعل فيها الآمال، وتنصهر فيها المصالح، يمكن أن نقدم نموذجا للعمل العربي العام. وعلينا أن ندرك أن هذا المجلس ليس منغلقاً على فئة أو جماعة أو دول عربية معينة، ولكنه يحاول أن يقدم نموذجاً وطريقاً للتعاون والتفاهم العربي، وصولاً للتكامل العربي المنشود، الذي يؤمن بالتنوع، واحترام خصوصيات كل دولة، والسعي الدائم للمصلحة العامة المشتركة. وبدون هذا التعاون العربي لن نستطيع أن نواجه التحديات الكبرى التي نجابهها، ولن نستطيع أن نواجه تيار العولمة، وما يفرضه من تغيرات في مجال السياسة والاقتصاد والثقافة والهوية. بل إننا إزاء هذه التغيرات نبدو وكأننا مهددون بالدوران خارج عجلة التاريخ، خاصة وقد ارتفعت أصوات الكثير من الذين يديرون عالم اليوم، لتتهمنا بأننا أشد المناطق تخلفاً في العالم، بل إننا المنطقة الوحيدة التي ترفض التغيير. هذه النظرة الظالمة يجب ألا تدفعنا للتباكي على حالنا، بقدر ما يجب أن تكون دافعاً ملحاً لنغير أنفسنا. لأن (الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) صدق الله العظيم.

         ومن دون هذا التعاون العربي لن نستطيع أن نوقف تيار الدم النازف في فلسطين، وتلك الإبادة الجماعية التي تقوم بها سلطات الاحتلال الإسرائيلية ضد العزل من النساء والأطفال والشيوخ. فلا يكفي أن نقول إن قلوبنا مع هذا الشعب الفلسطيني، وان أرواحنا فداؤه. ففي عالم اليوم، وإزاء هذه القوى الشرسة، لا تجدي مثل هذه الشعارات. فعلينا أن نستغل آليات العمل الدولية لإيقاف هذا الظلم الفادح. ولعلي هنا أضرب مثالاً صغيراً على ذلك من خلال هذا القرار الذي اتخذته الجمعية العامة بنقل قضية سور الفصل العنصري الذي تقيمه إسرائيل، إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي. وقد جاء هذا القرار بناء على اقتراح قدمه وفد الكويت إلى الأمم المتحدة بصفته رئيسا للمجموعة العربية لهذا الشهر في نيويورك. وهذا التحرك السياسي هو خطوة صغيرة إزاء ما يمكن أن تقوم به الدول العربية، عندما تتحد إرادتها. ومن واقع خبرتي الشخصية الطويلة بدهاليز الأمم المتحدة، فإن ضعف القرارات العربية في المحافل الدولية وعدم قدرتها في أحيان كثيرة على استقطاب الدول الأخرى إلى جانبها، يعود بالدرجة الأولى إلى العرب أنفسهم، إلى ذلك التناقض المرعب بين السياسة المعلنة في الظاهر، والسياسة الخفية في الباطن.

         ودون هذا التعاون العربي أيضاً، لن نستطيع أن نساعد العراق في الحفاظ على وحدة أراضيه، واستعادة استقراره السياسي.

         ودعوني هنا أيها الإخوة من كتاب ومفكرين وإعلاميين، أن أوضح الموقف الكويتي الملتزم أمام القضية العراقية، فنحن لسنا فقط جيراناً للشعب العراقي، ولكننا أشقاؤه أيضاً. وقد جمعتنا معاً محنة مشتركة، فقد اكتوينا معاً بنيران النظام الغاشم الذي قاده صدام حسين، اكتووا به هم على مدى 52 عاماً من القمع والقهر والاضطهاد، واكتوينا به نحن في شهور الاحتلال السبعة. ومازالت الجروح التي خلفها هذا النظام على دول منطقتنا دامية ومفتوحة ولم تندمل بعد. إننا مع وحدة الشعب العراقي شعبا وأرضا واستقلاله وحريته، بل إننا أحرص من أي شعب آخر على هذه الوحدة وهذه الحرية. كما أننا قدمنا ومازلنا نقدم يد العون إلى أشقائنا هناك، حتى يجتازوا هذه المحنة العصيبة التي يمرون بها دون غرض أو هوى. ودون مصالح أو نزعات شخصية، فالعراق المستقر الآمن المزدهر اقتصاديا والمحترم لجيرانه أفضل للكويت وللعرب من عراق يحكمه نظام يظلم ويطغى. والعراق الموحد أفضل للكويت وللعرب من عراق تتنازع فيه الفصائل والأعراق. وهذا هو الهدف الذي علينا أن نسعى إليه جميعاً.

         إننا في هذا الوقت، وفي مواجهة هذه التغيرات أحوج ما نكون إلى هذا التعاون في وجه تكتلات العالم الضخمة، وفي مواجهة تلك التغيرات العاصفة. في حاجة إلى أن نجد لغة مشتركة نتحدث بها فيما بيننا، قبل أن نجد اللغة التي نتحدث بها مع الآخر. أرجو ألا أكون قد أطلت عليكم، ولكن واقع عنوان الندوة هو الذي فرض عليّ ذلك، وهو الذي أثار في خاطري بعضاً من هذه القضايا.

         إنني أتمنى لندوتكم كل النجاح، وأشكركم لتلبية دعوة مجلة العربي، التي نعتبرها، هنا في الكويت، مجلة كل العرب، أكثر من كونها مجلة كويتية، لأنها قد ساهمت ولا تزال في بلورة المشاعر، وتقريب المسافات بيننا وبين كل أجزاء العالم العربي. أشكركم مرة أخرى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.