العدد (439) - اصدار (6-1995)
من رسوم الكهوف إلى نقوش المعابد. ومن الحفر على الخشب إلى النسج بخيوط السجاد. رموز كثيرة لحضارات متعددة، عبرت وغيرت. ولكن عنوان حضارة القرن العشرين هو الرسم بالضوء. لقد استطاع الإنسان أخيرا أن يستخلص العالم بكل أبعاده فوق شاشة بيضاء ويقتنص الزمن في لحظة أبدية لا تتبدد، ويسجل كل الأحداث التي تمر به - الجليلة والوضيعة - في ذاكرة لا يوهنها النسيان
من بين كل أنواع الفنون فإن السينما تستطيع أن تدعي أنها المرآة الحقيقية للحياة. وبرغم أن كل أنواع الدراما مجتمعة تعكس الحياة على نحو ما فإن السينما تضيف إلى كل هذه الفنون حرية في الحركة وانطلاقا في التعبير ومغامرة في الشكل. في مشهد من فيلم "المقتفي" STALKER للمخرج الروسي اندريه تاركوفسكي (1979) تصور الكاميرا بركة من الماء وقد أخذت نقاط المطر تنهمر فوقها مثيرة دوائر صغيرة
لقد انتقلت "كاميرات" السينما الغربية إلى العديد من أقطار العالم الإسلامي سواء في آسيا أو إفريقيا وحتى داخل الاتحاد السوفييتي سابقا، وحشدت الميزانيات الضخمة لتشكل الصورة التي تروقها عن الإسلام في أفلام غالبا ما تتلاعب بالمواقف لإدانة الشخصية الإسلامية بدلا من محاولة تعمقها وفهم جذورها التاريخية ان اعتزازنا بعروبتنا وإسلامنا لا يعني اننا عندما نتعامل مع هذه الأفلام نولي ظهورنا للصراعات المعاصرة التي يعايشها العالم الإسلامي بحيث نتجاهلها أو نقلل من شأنها أو نتغاضى عن سلبياتها
هل أصبحت السينما في عيدها المئوي ترفيها هامشيا لهذه الدرجة في حياة البشر؟. هذا المقال يروي قصة الحروب التي دخلتها السينما لنصف قرن كامل ومستقبل هذه الحروب التي يزداد سعارها لتطرح تحديات لا نظير لها للسينما في قرنها الثاني. في منتصف الطريق إلى مئوية السينما كان الفرد الأمريكي يتردد على دور العرض ثلاثين مرة في السنة. اليوم لا يزيد الرقم على أربع مرات، وتتجمد إيرادات الشباك عند خمسة بلايين دولار
"هوليوود" يسمونها في أمريكا "المدينة المقدسة وأتباعها مليار مشاهد ولا يخجلون من مقارنتها مع... الفاتيكان. وهي مدينة "أصولية" تجعل من الوهم صناعة ثقيلة، نسيجها الحلم و.. اللحم. مليار مشاهد، تابعوا على شاشات التلفزيون اختيار الفائزين بجوائز الأوسكار يوم 27 مارس (آذار) الماضي. بين هؤلاء 81 مليون أمريكي. الصالة التي شهدت طقوس الاحتفال اسمها "المذبح The shrine" وصحيفة "واشنطن بوست" وصفت ليلة الاوسكار بأنها "ليلة مميزة انها أقرب إلى التجربة الدينية"
بالطبع ليس هذا تقييماً نهائياً. فهذا الفن الجميل حافل بالمفاجآت، ولأنه يستفيد من كل الفنون ومن التقنيات الحديثة ومن الإبداع البشري الذي لا ينضب فلن تتوقف قائمة ما يطلق عليه أفضل الأفلام. في ديسمبر عام 1908، عرضت (شركة الأفلام الفنية) - كان يملكها الإخوة لافييت - أول إنتاج لها (اغتيال الدوق دى غيز)، وبعد العرض لم يتم اغتيال أحد سوى شركة لافييت التي افلست بعد فترة قصيرة بسبب الخسائر التي لحقت بها من جراء إنتاج أفلام فكرت أن تكون فنية!
هذه الأفلام العشرة، صمدت بجدارة، لاختبار الزمن القاسي، وأفلتت من ظلال النسيان لتبقى مزدهرة، نابضة بالحياة، إما بكاملها، أو ببعض لقطاتها، في ذاكرة من شاهدها.. وأصبحت، الآن، من المعايير التي يعود لها الناقد، ليسترشد بها في قياس مدى نفاذ بصيرة، وجمال، وقوة تأثير الأفلام الجديدة. أربعة عقود من الزمان تفصل بين تاريخ عرض الفيلم الأول والفيلم الأخير في هذه القائمة المميزة من الأفلام العربية..
من داخل ستديو مصر يقدم الكاتب رؤيته حول هذا المكان الذي كان واحدا من العاملين فيه. وكل باحث في تاريخ السينما العربية لا بد أن يذكر بالتقدير دور هذا الاستديو في صياغة وتشكيل ملامح هذه الصناعة وإسهامه في تطوير تقنيات هذا الفن في الشرق العربي. كان ستديو مصر هو المعهد الذي تخرجت في قاعدته معظم الطاقات الفنية والقدرات الحرفية، والمؤسسة التي أسهمت في إنتاج مئات الأفلام الروائية والتسجيلية على مدى ستين عاما
إنها الحياة.. فهذه اللحظات التي تمسك السينما بها تجعل الفيلم بالإضافة إلى متعة الفرجة وثيقة زمنية غالية في المستقبل عن أشياء حقيقية.. وثيقة تفسر التاريخ وتشرح مسار حركته. إن السينما تجعل الزمن حاضرا دائما. عندما أتحدث عن تجربتي في السينما.. لا بد أن أتأمل قبل كل شيء ما هي السينما بالنسبة لي؟.. ومتى قررت أن أصبح مخرجا؟!.. وهما الجانبان اللذان يشكلان أساس تجربتي ومفتاح فهم الأفلام التسجيلية والروائية التي صنعتها منذ العام 1974 حتى العام 1995.. وعددها 18 فيلما تسجيليا وروائيا قصيرا
منذ أن دخلت في أجواء السينما المصرية ككاتب للسيناريو في أواخر الثلاثينيات فوجئت بأن هناك لغة وأجواء خاصة تسود بين المخرجين والمنتجين في هذه الأيام، وكان علي عدم السير قدما إلا وفق حسابات خاصة. جلسنا أمام تاجر البهار الذي سأل بكل ثقة: "هي القصة دي فيها كام مشقفة" فرد المخرج لفوره: "خمسة.. وملحقاتهم".. وكان علي أن أفهم لغة هذا القاموس الغريب الذي يجب التعامل به. وسرعان ما عرفت أن تاجر البهار الذي يستعد لإنتاج فيلم
منذ أن دخلت في أجواء السينما المصرية ككاتب للسيناريو في أواخر الثلاثينيات فوجئت بأن هناك لغة وأجواء خاصة تسود بين المخرجين والمنتجين في هذه الأيام، وكان علي عدم السير قدما إلا وفق حسابات خاصة. جلسنا أمام تاجر البهار الذي سأل بكل ثقة: "هي القصة دي فيها كام مشقفة" فرد المخرج لفوره: "خمسة.. وملحقاتهم".. وكان علي أن أفهم لغة هذا القاموس الغريب الذي يجب التعامل به. وسرعان ما عرفت أن تاجر البهار الذي يستعد لإنتاج فيلم
برغم عشقي الجنوني للسينما فإن بدايتي كانت على المسرح. لقد كانت السينما بالنسبة لي مجرد خيال جميل. ومازالت هي المكان الذي أشعر فيه بأنني أقرب ما أكون إلى طبيعتي برغم أنني أعرف أن النظام السائد فيها قاتل للموهبة. منذ أن جاءت تلك السيارة إلى قريتنا في عزبة مخيون، القريبة من أبوحمص، وأنا أشعر بأنني سأكون مثل الرجل الذي راح يردد في الناس من حوله: بس منك له.. له.. له.. لها.. إنه السيد بدير في فيلم قامت ببطولته شادية مع عماد حمدي في إحدى القرى
السينما بالذات من المجالات التي مازلنا نعتمد فيها على الاستيراد أكثر من الإنتاج، وعلى التقليد أكثر من الخلق والابتكار. وعلى الرغم من أن تاريخ السينما العربية يقترب من الثمانين عاما فإن اجتهاداتنا فيها مازالت محدودة. ليس من المجدي في هذه المرحلة المتقدمة من تطورنا الحضاري أن نماري كثيرا في أننا مازلنا عيالا على الغرب في غالبية نتاجاتنا الفنية والفكرية، بل ينبغي ألا نخجل من الاعتراف بأننا مازلنا نعتمد على الغرب اعتمادا شبه كامل في الكثير من شئون حياتنا
ربما كان هذا الرأي قاسيا بعض الشئ على السينما الجزائرية ولكنه صالح للقياس برغم ذلك على كثير من أنواع السينما العربية التي تغربت كثيرا عن واقعها. وربما يدفعنا غضب الكاتب في هذا المقال إلى إعادة النظر في كثير من المسلمات النقدية التي طالما رددناها دون تمعن كاف. في شارع من الشوارع المقفرة لفتت انتباهي قصاصة جريدة تتلاعب بها الريح، قصاصة طغى على بياضها اصفرار قاتم لعلها آثار أشعة الشمس المحرقة..
يرى كثير من الباحثين أن السينما السورية والمصرية توأمان، فقد أنتجا الأفلام في فتر ة تقريبا. فلم تسبق السينما المصرية شقيقتها السورية إلا بعام واحد فقط وعانت الأخيرة فترات صمت طويلة جعلت أفلامها قليلة ولكنها بالرغم من ذلك متميزة. شهدت سوريا أول عرض سينمائي عام 1908 في مدينة حلب، فقد جاء بعض الأجانب إلى شمال سوريا عن طريق تركيا وعرضوا على الناس آنذاك صورا متحركة