العدد (744) - اصدار (11-2020)

أستاذي عبدالقادر القط د. جابر عصفور

لم يكن د. عبدالقادر القُط أستاذًا لي بالمعنى المباشر، مثل أساتذتي سهير القلماوي، وعبدالعزيز الأهواني، أو عبدالمحسن بدر، وإنما كان أستاذًا لي بحكم الصلة الثقافية التي ربطت أبناء جيلي بحضوره الخاص، بوصفه واحدًا من الأساتذة الكبار الذين تأثرنا بهم على مستويات المنهج والتذوق والنظرية الأدبية. فقد كان هو من الجيل الذي تتلمذ على يدي د. طه حسين بشكل مباشر، ذلك على الرغم من أنه لم يحصل على الدكتوراه بإشراف طه حسين، خصوصًا بعد أن تخرّج في قسم اللغة العربية الذي تخرجتُ فيه، وكان تخرّجه في عام 1938، وهو العام نفسه الذي تخرّج فيه أستاذي الأهواني. ويبدو أن طه حسين قد تدخّل في تعيين هذين الاثنين في مكتبة جامعة القاهرة، التي ظلا يعملان بها إلى أن فرَّقتهما البعثات التي ذهبا إليها.

«الكورونا» حسن جعفر نورالدين

مــــــــا أنتَ في خـــــــــلدي ولا تعنيني تأتي وتذهب لا رأتك عيونـــــــي مـــــــا أنت إلا لوحـــــــــــــة همجيــــــــــة تفضي وتعصر بالحريق عيوني

عندما بكى المتنبي تأمّلات في حياته وشِعره د. نور الدين محقق

البحث في التراث العربي وإعادة قراءته من جديد مهمة ضرورية بالنسبة لعملية التجديد الفكري والأدبي والفني، ذلك أنها تمنح فرصة لرؤية ذواتنا في مرآة جديدة هي مرآة الزمن. فالزمن يغيّر الرؤية ويجعلها تعيد حساباتها وفق ما جد من أمور في العالم الكوني الحالي. كما أنها، وهي تقرأ هذا التراث، تقرأه بنقد مزدوج، وفق تعبير المفكر المغربي عبدالكبير الخطيبي. إنها تقرأه بالضرورة في زمنه أولًا، ثم تعيد قراءته مرة أخرى في صيرورته الزمنية. من هنا كانت عودتنا لتأمل عالم شاعر عربي كبير هو الشاعر أبو الطيب المتنبي. لقد قرأناه تبعًا لهذه الرؤية النقدية المضاعفة، وحرصنا على أن نكون قريبين جدًا من عالمه الشعري الثري.

الحضور الألمانيّ في الأدب العربيّ إيهاب النجدي

قبل قرنين ونيِّف من الزمان، كان شاعر الألمان الأكبر يوهان ولفجانج جوته (ت. 1832م) يعالج تَدَاعي أقطار نفسه، عقب نهاية قصة حبٍّ كبيرة، بقصائد غزلية، تطوي ضرامَ وَجْده بالفنانة والشاعرة النمساوية مريان يونج، ويضمُّ القصيدة بعد القصيدة إلى «سِفر العشق» الذي يتوسّط قلب ديوانه الشرقيّ، وها هو يتخذ لنفسه اسم حاتم، ويسمّي صاحبته زليخا، ثم يهتف بها لتكون موكّلةً بعمامته الشرقية المَوصلية النسيج: «هذي عمامتي، ناصعة البياض، فضفاضة الأطراف، فتعالي يا حبيبتي، واعصبي بها جبهتي فما العظمة؟! ترمقني عيناكِ، فإذا أنا الملك العظيم الشأن!».

الانطباعية التأثرية إشكالية الاعتراف وزئبقية الناقد الحسام محيي الدين

ترتبط الانطباعية كتشكيل بصري في طبيعة نشأتها بفن الرسم منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر بمعيّة الرسام الفرنسي كلود مونيه (1840 – 1926) الذي ترجم تأثره بالطبيعة من حوله وجاهيًا في لوحته الشهيرة باسم «انطباع شروق الشمس» عام 1872، والتي عبّدت الطريق أمام نشوء وتطور مدرسة فنية تولدت أصلًا عن حاجة نفسية لإشباع النظر بجمال المنظر أو المشهد الحي المنقول إلى اللوحة، مع الحرص على إبراز أثر الريشة ووضوح اللون في إيصال فكرتها، لا التعلق بأشكال مرمّزة لغايات لا نفهمها، مما يعني مباشرة تعشيق العمل الفني بالحواس دون التلبثّ عند تشريح اللوحة بأحكام مُلتبسة، تعقّد الفهم المنشود لفنيتها وتجفف من نضارتها البصرية التي تروي عطش المتلقي لواحة تأثرية بالإبداع.

البشير الدامون وعوالمه الروائية نساء ينتفضن ويَتذكرن حكاياتهن ويُربين الأمل عبداللطيف البازي

يقول الأديب الإسباني إدواردو مينديكوتي في نص له بعنوان «ذاكرة شخصية، شهادة جماعية»: «تهمني، باعتباري قارئًا، أعمال كتّاب يستعملون ذاكرتهم الشخصية، مع كل ما يعنيه ذلك من حسّ إبداعي ومن تصرُّف لا يمكن تجنّبه. وهم يهدفون بذلك إلى تقديم كشف بماض يعنينا جميعًا، متكئين على تجربتهم لتقديم صورة جزئية، ولكن ذات مدى كوني، عن معيشهم». وهذا التوصيف، الذي يكاد يكون برنامجًا إبداعيًا، يصلح في نظري لأن يكون مدخلًا لمساءلة أعمال الروائي المغربي البشير الدامون الذي يبدو جليًا أنه يعتمد في رواياته على خبرته وعلى مواقف عاينها، ويقدم لنا «كشفًا»، بتعبير مينديكوتي، بخلاصات تجاربه وتجواله في الحياة وبين الكتب، وينقل تلك الخلاصات، عند تقييدها أدبيًا، من بُعدها المحلي فتصبح حالات ذات بُعد إنساني.

خطيئة الفراهيدي لدى اللسانيين المحْدَثِين النظام الصوتي أم الدلالة الموات؟ رياض عثمان

هل يعتبر البعض أن نظام التقليبات الصوتي سِجِلُّ نجاحٍ لدى الفراهيدي؟ ولماذا اعتبره الأكثرون غير صالح للتصنيف المعجمي؟ وهل استطاعوا الدخول إلى مـــنــهج تــفكيره المعجمي واللغوي والدلالي؟ وكيف؟ لعلّ مرحلة اللا معنى التي وُفّق بها وإليها الخليل بن أحمد الفراهيدي - يرحمه الله - هي سرّ نجاحه في اختراق المادة المعجمية وسرّ اختراقه كُنْه المعنى في عمليته الإحصائية الرائدة التي تفوق ذاكرة أكبر جهاز كمبيوتر في علم المعجم، عندما جرّد حروف العربية من مشاعرها وفكك شيفراتها بتقسيمه حروف العربية إلى تسع مجموعات غير متساوية عدديًا ولفظيًا ضمن النظرية الاحتمالية التجريبية، وصار أكثر اللسانيين والمعجميين من بعده حتى المعاصرين مُصرِّينَ على أن نظامَه تقليباتٌ صوتيةٌ فحسب، إذ أغفلوا الجانب الدلالي في تقسيمه حروف «العربية». فما هو ما لم يفطن إليه الدارسون عن تفكير الفراهيدي في معجمه «العين»؟

الْقَصِيدَةُ الْعَرَبِيَّةُ مُثِيرَاتُ فِتْنَتِهَا ومَظَاهِرُ شِعْرِيَّتِهَا (1) د. محمد محمد عيسى

وُجدتْ مظاهر الشعريَّة في القصيدة العربية قديمًا وحديثًا، وتجلَّت معظم هذه المظاهر في المساحات اللغوية الأَدبية والأُسلوبية من النص، غير أنَّ الباحث عنها في مضامين النص لا تخطئ عيناه في إدراك كثير من المضامين التي تعمل كمُحرِّك رئيس في تحولات الشعرية. وعلى الرغم من أن «الإِبداع يكمن في توظيف اللغة توظيفًا جماليًا يقوم على مهارة الاختيار وإِجادة التأليف»، فإِنَّ هذا الإِبداع اللغوي لم ينتج إِلّا عن مؤثر قوي وحافز مُثير، وكثيرة هي المؤثرات والحوافز التي مَثَّلت قوى خارجيَّة كان لها القدرة على استدعاء الأَقدر والأَجدر والأَكثر إِبداعًا في كثير من التجارب الشعرية.