العدد (666) - اصدار (5-2014)
مضى الغرب في مضمار التقدّم أشواطا بفضل نهضته المبكّرة، وإصلاحاته المتعدّدة في مجالي السياسة والدين، وظلّ العرب متعلّقين بالشروح وشرح الشروح والحواشي، لكنّ توقهم إلى الانبعاث واليقظة ظلّ كامنا في النفوس كمون النّار في الحجر، وقابليتهم للتحوّل والتبدّل متمكّنة من الأذهان، لكنّ التّاريخ شاء أن يؤجّل فعل ذينك التوق والقابليّة، إذ أحكم الطوق المكبّل الخانق على المجتمعات العربية بفعل هجمتين لا تقلّ الواحدة عن الأخرى شراسة. تتمثّل الأولى في الاستعمار التركي العثماني، والثانية في الاستعمار الغربي الّذي تولّى اقتسام العالم الغربي إلى مناطق نفوذ ومستعمرات. لذلك لم تعمّر النهضة الّتي حاولها العرب في بداية القرن التاسع عشر، تلك النهضة الّتي طال النقاش حول منجزها وفاعلها. فالاستشراق الكولونيالي يعزوها إلى حملة بونابرت الّتي يجعل منها اللّحظة الصفر لبداية تاريخ العرب الحديث ونهضته،
أصبح السؤال اللغوي جزءا لا يتجزأ من النقاش العمومي في كثير من الدول، بسبب ارتباطه بسؤال الهوية الذي أصبح همّا يشغل بال الكثيرين في السنوات الأخيرة، لأسباب متعددة أهمها العولمة المتوحشة الزاحفة بلا رحمة على كل الخصوصيات دون استثناء، بما في ذلك الخصوصيات اللغوية. ولقد تعددت الأجوبة حول علاقة اللغة بالهوية في عدد من الدول العربية، لكن الإجابات كثيرا ما تحيد عن جادة الصواب، بسبب هيمنة نوع من الجدل والسجال غير المؤسس علميا. وفي هذا السياق ثار النقاش حول ضرورة اعتماد اللهجة المغربية لغة للتواصل والتعليم والإعلام، وعقدت ندوات حول هذا الموضوع، وانتشر، تبعا لذلك، هذاالمستوى اللغوي في كثير من المجالات التي كانت تشغلها العربية الفصيحة، كالإعلام والاقتصاد والإشهار والفضاءات العامة... والملاحظ أن المدافعين عن التدريج أو التلهيج نادرا ما يتوفقون في تحديد دقيق لمفهوم اللهجة، وكذا شروط انتقالها إلى مستوى اللغة. لهذا سنحاول أن نجيب عن بعض الإشكالات المتعلقة بهذا الشأن، لنكشف خطأ بعض هذه التصورات. فماذا نعني عندما نقول عن منوعة لغوية ما إنها لهجة ونقول عن أخرى إنها لغة؟ وما هي المعايير التي تمكن اللهجة من تغيير وضعيتها والانتقال إلى مرتبة اللغة؟
يقول الحق جل وعلا: {فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ} (سورة الأنعام /125) .
أصبحت اللغة العربية الفصيحة مهددة في بقائها، بل مستهدفة بكل تأكيد. فمؤشرات هشاشة وضعها قائمة، رغم كل ما تتميز به من سمات نوعية. إنها تعاني من كونها لم تعد هناك بيئة ممهدة لها بشكل سليم وكاف يضمن لها البقاء والنماء، لأن متحدثيها ونخبها وشعوبها لم تعد تحميها بما يكفي، أو تسعى إلى تهيئة بيئتها وتنقيتها باستمرار، وبصفة كافية. و أمام هذا الوضع المزري الذي تعيشه اللغة العربية الفصيحة، يمكن تبيان الخلل الكامن وراء هذا الوضع السيئ في ظل زحف اللغات الأجنبية والعامية على وظائفها، ووجود مخططات لاقتلاعها من المجتمع العربي والدولي. ولهذا، سنعالج مسألة الاستعمار اللغوي والعولمة اللغوية، ثم مسألة العلاقة بين اللغة والدولة والسياسة، وأخيرا حماية اللغة العربية والعدالة اللغوية.
الترادف لغة: ركوب أحد خلف الآخر. فيقال: ردف الرجل وأردفه، أي ركب خلفه، وارتدفه خلفه على الدابة. فالردف: هو ما تبع الشيء، وكل شيء تبع شيئا فهو ردفه، وإذا تتابع شيء خلف شيء فهو الترادف. ويقال لليل والنهار ردفان؛ لأن كل واحد منهما ردف صاحبه أي يتبعه. وقد فُسِّرَ قوله تعالى: {بألف من الملائكة مردفين} بمعنى يأتون فرقة بعد فرقة على رأي الزجَّاج.