العدد (750) - اصدار (5-2021)

من رمزيات يوسف إدريس (2) أكان لا بدّ «يا لي لي» أن تُضيئي النور؟! د. جابر عصفور

لا أذكرُ عدد المرات التي قرأتُ فيها هذه القصة القصيرة الطويلة ليوسف إدريس، فهي واحدةٌ من أهم روائعه التي ينبغي وضعها في الاعتبار حين نُعدّد مظاهر التميّز والإبداع في كتابته. فالقصة غير عاديةٍ، وغير قابلة للتصديق إلّا عندما نترك للخيال العنان ونضع أنفسنا في حال من القراءة التي لا تُجاوز الخيال إلّا إلى التخييل، ولا تُفارق المجاز إلا إلى عالمٍ من الاستعارات والكنايات التي تجعلنا نرى في الواقع ما لا يحدث في الواقع، ونعرفُ من الشخصيات ما لا نكاد نُصدق أنه موجودٌ، ونرى من الأحداث ما لا يُمكن أن نتخيّله أو يقبله العقل.

حدائق أورفيوس د. نور الدين محقق

كأني‭ ‬حطّاب‭ ‬عُشب‭ ‬ في‭ ‬غابة‭ ‬زرقاء‭ ‬ كأنّي‭ ‬صائد‭ ‬سمك‭ ‬ في‭ ‬بحر‭ ‬أسطوري‭ ‬ من‭ ‬بقايا‭ ‬البحور‭ ‬ أو‭ ‬كأنّي‭ ‬طفل‭ ‬غريب‭ ‬ يلعب‭ ‬مع‭ ‬الطيور ويتكلم‭ ‬مع‭ ‬الفراشات‭ ‬

لقاء عابر سميرحكيم

عندما‭ ‬التقيا‭ ‬مصادفة،‭ ‬بدت‭ ‬مرتبكة‭ ‬وهي‭ ‬تمدّ‭ ‬يدها‭ ‬تصافحه،‭ ‬سرت‭ ‬في‭ ‬جسده‭ ‬رعشة‭ ‬بسبب‭ ‬البرودة‭ ‬المفاجئة،‭ ‬أحسّ‭ ‬بها‭ ‬تنشع‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬قفازين‭ ‬من‭ ‬جلد‭ ‬رقيق‭ ‬وشفاف‭ ‬يغطيان‭ ‬كفّيها،‭ ‬وطاف‭ ‬بذهنه‭ ‬سؤال‭ ‬عن‭ ‬مكان‭ ‬وجود‭ ‬الدفء‭ ‬القديم،‭ ‬الضائع‭ ‬الآن‭ ‬من‭ ‬المسافة‭ ‬بينهما،‭ ‬خرج‭ ‬من‭ ‬رئتيه‭ ‬هواء‭ ‬جاف،‭ ‬وهو‭ ‬يقول‭ ‬بصوت‭ ‬خفيض‭: ‬‮«‬أفتقدك‭ ‬كثيرًا‮»‬،‭ ‬فسألته‭ ‬ربّما‭ ‬لتذكّره‭ ‬بعدد‭ ‬الأيام‭ ‬التي‭ ‬انقضت‭ ‬بعدما‭ ‬افترقا؛‭ ‬منذ‭ ‬متى‭ ‬لم‭ ‬يتقابلا‭...‬؟‭! ‬هو‭ ‬أيضًا‭ ‬لا‭ ‬يعلم‭ ‬عددها،‭ ‬عندما‭ ‬ابتلعته‭ ‬دوامة‭ ‬العمل‭ ‬وسحقته‭ ‬الضغوط‭ ‬كان‭ ‬يواصل‭ ‬المحاولات‭ ‬للخروج‭ ‬من‭ ‬دوامة‭ ‬أشد‭ ‬ضراوة‭.‬

قضايا الهامش في الإبداع الأدبي عبد الرحمن التمارة

إن الانحياز للهامش يستدعي مفاهيم الاختلاف والتعارض، والتعدّد والمنظورية، والتوافق والقلق، والحدود والنهايات. لكن في كلّ الوضعيات تبقى العلاقة بالهامش والمركز مرتبطة بالقلق؛ حيث كثيرًا ما يشتكي الكائن البشري «القائم» في مكان ما، هامشيًا كان أم مركزيًا، من وضعية انتمائه. لهذا، قد تتحوّل الإقامة في المكان مفتوحة على إنتاج القلق؛ لأنّ المقيم بالهامش يشعر بالضجر من فداحته وبُعده، والمقيمُ بالمركز يحسُّ بالتبرّم، الذي لا يخلو من مُضمر الفخر، من «ثقله» المتعدّد الامتدادات.

«بالأمسِ... كنتُ هنا»... رواية الكاتبة زينب حفني زمكانية الحبّ والانتقام عذاب الركابي

«بالأمسِ... كنتُ هنا»، الصادرة عام 2020 عن دار نوفل للنشر في بيروت، نوعٌ من السرد المانح الجاذب، والساردة/ الكاتبة زينب حفني، وفي مجملِ سردها الباذخِ في بساطتهِ العميقة، فإنَّ الكلمة، والفكرة، والعاطفة، والجسد، كُلها في تناغمٍ راقٍ، وخليط بديع يُضيء في وقتٍ واحدٍ، ليبدو الساردُ والساردة معًا لازمنيين! وإذا كانَ فلوبير، حين كتب «مدام بوفاري»، كما يقولُ عنه روبرت ستيفنسن «في الغالب في واقعية كئيبة بعض الشيء»، فإنَّ زينب حفني، في الغالب، واقعيّة جارحة مُستَفِزة صادمة، تُحرّك مياه الواقع الراكدة، بل تجددها، وتُفجّرُ في جملٍ بركانية نتاج قوة نصّية عددًا لا يُحصى من التساؤلات، وهذا يُحسبُ لها كمبدعة من طراز رفيع، إذ إنّ جمال الإبداع أنْ يظل سؤالًا حائرًا متشعبًا، والإجابة ظامئة مُتلهفة مُتعددة أبدًا!

توم هانكس يكتب القصص في محبّة الآلة الكاتبة وتفاصيل المشهد منيرعتيبة

لن ألومك إن ترددت في فتح المجموعة القصصية «نمط غير شائع»، التي ترجمها مجدي خاطر، وصدرت طبعتها الأولى عن إصدارات روايات بالإمارات العربية المتحدة عام 2020، فالمجموعة ضخمة، إذ يصل عدد صفحاتها إلى 439 صفحة، والمؤلف هو الممثل الأمريكي الشهير توم هانكس، وهذه مجموعته القصصية الأولى، فما الذي يجعل القارئ يترك المؤلفين المعروفين بالإنتاج القصصي المتميز ليقرأ المجموعة الأولى لممثل ربما تستخدم دار النشر اسمه لترويج كتاب لن يكون في أفضل أحواله أكثر من متوسط؟ سيدفعك الفضول لتتصفح الكتاب، لتجد صورًا لعدد كبير من الآلات الكاتبة تفصل بين كل قصة وأخرى، ثم تكتشف أن الكتاب يحتوي على 4 فصول كل فصل يضم 3 قصص ومقالًا تحت عنوان ثابت «بلدتنا اليوم مع هانك فيست»، ثم تجد عنوانًا فرعيًا، المقالات منشورة على شكل عمودين بالصفحة مثلما تُنشر في الصحف الورقية، وبعد الفصل الرابع نجد قصة أخيرة، فيستوقفك هذا البناء للكتاب، وتعود إلى عنوان المجموعة «نمط غير شائع»، فتنتبه إلى أن ما بين يديك قد يكون عملًا أفضل مما تتوقع.

الكتابة عند ليلى أبو زيد من سرديات الشخصيات إلى سرديات الكتابة الحبيب الدائم ربي

نودّ في المبتدأ التنبيه إلى أن ما نتقصده بالسرديات هنا لا علاقة له بالعلم الذي يهتم بدراسة الأجناس السردية، وإنما نعني به الأطر المرجعية التي يتم تبنيها من قبل الجماعات والأفراد، والتي قد ترتقي لديهم إلى قناعات لا تقبل التشكيك أو المنازعة. وبناء عليه نتغيّا في هاته الوقفة، فضلًا عن إعادة إحياء المؤلف الذي قتلته البنيوية، مساءلة التعالقات الكائنة والممكنة بين سرديات النص وسرديات الشخص. فبما أن الوشائج بين الكاتب ونصه لا محالة قائمة، وهو ما بات يتحاشاه البنيويون، فإلى أي حدّ هي كذلك؟ علما بأن الزعم بالتطابق بين المحفلين، مثله مثل نفي المشاكلة، لا يخلو من خلط منهجي.

مخطوط مي زيادة المفقود الإشاعة والاستعارة عبد اللطيف البازي

مي زيادة اسم أدبي لامع، هي شاعرة ومترجمة وصحافية وناشطة حقوقية لبنانية معروفة، وقد عاشت أزهى سنوات حياتها بمصر في النصف الأول من القرن العشرين. هي امرأة حرّة وذات كبرياء، وقد تم اختزال كل إسهاماتها الأدبية ومبادراتها الثقافية وحيويتها الاستثنائية في أمرين اثنين: صالونها الأدبي الذي أشرفت عليه ومنحته الحياة بانتظام خلال سنوات طوال بالقاهرة، وعلاقتها الوجدانية مع المبدع المتفرّد جبران خليل جبران التي دامت هي الأخرى لسنوات، وأثمرت نصوصًا أدبية جذابة على شكل رسائل لم يتوقفا عن تبادلها. واظب العديد من المثقفين العرب المكرّسين على حضور صالون مي الأدبي، لأنهم كانوا يحسون أنهم إزاء منتوج ثقافي جديد في لحظة تاريخية لم تكن واضحة الملامح.

من الجِراح نقتصُّ للحياة قراءة في ديوان شعري عبدالوهاب الأزدي

صدر للشاعرة المغربية آمال كريم العلوي ديوان شعري بعنوان على الجراح تكبّر القمر (المطبعة والوراقة الوطنية- مراكش - المغرب. ط1. 2016). وقد صمم غلاف هذا العمل، الشاعر اليمني محمد شويع. ويضم الديوان، إلى جانب الإهداء والفهرس، تقديمًا للأستاذ حميد منسوم عن الكون الشعري للأضمومة وعن موضوعاتها في الوطن والحب والموت، منتهيًا لمفهوم للشعر عند العلوي من حيث هو «تلقيح مضاد للبشاعة والقبح، وأسمنت مسلح ضد الصدمات، عناد لواقع موجود، واستشراف لحلم منشود». وعنوان التقديم أسيرة حلمها. ويحتاج هذا الحلم إلى الوصف والمعاينة البلاغية والنقدية.