ملتقيات العربي

ندوة المجلات الثقافية ودورها في الإصلاح الثقافي

تجربة نشر مجلة العلوم

مجلة العلوم في عامها العشرين
أ. د. عدنان الحموي

         مما لا شك فيه أن مواكبة الأمة العربية للتقدم العلمي السريع وتحقيق المعاصرة التقانية يتطلبان تضافر الجهود لاستنبات العلم العربي، الأمر الذي يفرض السعي لتصبح لغتنا أداة طيعة في خدمة هذه الأمة واستئناف مسيرتها في وجه تحديات العصر ومتغيراته. وفي هذا المضمار، كان الكثيرون يطمحون إلى أن تُتَرْجم إلى العربية المجلة العلمية العامة ساينتفِك أمريكان Scientific American، التي تأسست عام 1845 وتصدر حاليا بثماني عشرة لغة عالمية.

         ففي عام 1984 اتفقت (مؤسسة الكويت للتقدم العلمي) مع ناشر مجلة ساينتفك أمريكان على إصدار طبعة عربية لهذه المجلة الشهرية باسم مجلة العلوم، يكون مصدر الثلثين على الأقل من محتوياتها من المجلة الأمريكية.

         ومنذ البداية كان واضحا أن مجلة العلوم ستخاطب جمهورا لم يوجد بعد بالعدد الذي تتوق إليه؛ ولكنها تتطلع إلى أن يكون صدورها سبيلا لزيادة مطردة في هذا الجمهور حتى يشمل الكثير من القراء العرب من غير المشتغلين بالعلم ممن يتوقون إلى متابعة التطورات العلمية والتقانية المتسارعة الوقع في عالم اليوم.

         ومن المؤكد أن تبنِّي مشروع مكلف وشاق كإصدار مجلة العلوم يتطلب في الوطن العربي بشكل خاص، توفير دعم مالي مؤسساتي كبير ومجردٍ عن أي توقع لعوائد ربحية في المستقبل المنظور؛ فقراؤها المحتملون لا يشكلون حافزاً تجارياً مهماً، كما أن الإعلانات التجارية في عالمنا العربي لا تجد طريقها عموما إلى مجلة مثل مجلة العلوم، معظم قرائها ليسوا من ذوي العقلية الاستهلاكية.

         وبفضل الدعم الكامل الذي تتلقاه مجلة العلوم من مؤسسة الكويت للتقدم العلمي أمكن لهذه المجلة أن تتجاوز الجوانب السلبية في تجارب المجلات العلمية السابقة (2) سواء بالنسبة إلى نوعية موادها أو إلى ديمومة صدورها.

         وقد صدر عن مجلة العلوم حتى الآن 208 أعداد. وتقوم المجلة حالياً بتوزيع 13 ألف نسخة شهرياً من كل عدد من أعدادها العادية، و15 ألف نسخة من أعدادها الخاصة.

         ما نقصده بالثقافة العلمية ليس فقط اقتباس العلم، وإنما أيضا اكتساب المنهج العلمي وجعلُه من ممارسات الحياة وسلوكياتها... فأهم ما في الثقافة العلمية ليس محتواها وإنما منهجها الذي يضع كل شيء أمام محكمة العقل...

         ومن الثابت أن التنمية الشاملة في أي مجتمع تعتمد إلى حد كبير على مستوى الثقافة العلمية فيه. ويتضح ذلك من أن المعرفة العلمية والتقانية تسهم في زيادة الإنتاج بنحو 90 في المئة، في حين تؤدي الزيادة في رأس المال إلى نمو الإنتاج بما يوازي 10 في المئة فقط.

         لكن تبسيط العلم يجب أن يتم بالعلم... وليس بأخذ القشور وترك اللُّباب سعياً وراء المثير!

         بالفعل هناك حاجة ملحة إلى تعريف الباحث والمتخصص في حقل علمي بما يستجد في الحقول العلمية الأخرى، القريبة من حقله على الأقل. وأي لغة في هذا المضمار أكثر قدرة على مخاطبة المرء من لغته الأم؟

         فإذا ما كان التوسع الكبير في النشاط العلمي الذي شهده الوطن العربي في كل ربوعه في العقود الأخيرة إنجازا يَسْعد به كل عربي، فإن حصاده يجب ألا يكون ابتعاد أعداد كبيرة من الأجيال المتعاقبة عن لغتها الأم، واغتراب فكرها، وانفصام ثقافتها وشخصيتها، بفعل استخدامها للسان أعجمي في نشاطها العلمي. ومن هنا جاءت قناعة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي بضرورة أن تنتقل بجهودها في السنوات السابقة في إعداد المعاجم العلمية وفي النشر العلمي باللغة العربية، إلى مستوى أرقى وإلى مجال أفسح. وقد كان هناك خياران أساسيان أمامها: فإما العمل في نطاق نشر الثقافة العلمية بمفهومها العام، وإما اقتحام المجال الأصعب وهو مخاطبة المجتمع العلمي العربي نفسه. وإذا كانت الساحة العربية قد شهدت في السنوات الأخيرة جهودا متعاظمة في الخيار الأول الذي لا يخلو بدوره من الصعاب، فقد كان خيارها هو الخيار الآخر الذي تُقْدم عليه وهي مدركة تماما ثقل المسؤولية، وضخامة الجهد المطلوب، وضرورة استمراره سنواتٍ طوالا قبل أن يحقق أهدافه.

         وهكذا فإن مجلة العلوم وجِدت لتلبي الحاجة الماسة إلى مجلة علمية عربية تقدم إلى القارئ ذي الخلفية العلمية خاصة، علوم العصر على نحو مبسط قدر الإمكان، ليتابع تطورها ويتفهم مسيرتها، وليتعمق عنده الوعي العلمي والعقلية العلمية.

         كما تسهم المجلة في تجسير الفجوة بين الأكاديميين العرب والجمهور (تلك الفجوة التي لا نلحظها في الدول المتقدمة حيث يستطيع علماؤها التعبير بطلاقة عن أفكارهم وتخصصاتهم بلغاتهم المحلية)، الأمر الذي سيساعد علماءَنا على التأثير إيجابياً في مجتمعاتهم؛ ومن ثمّ دفع مسيرة العلم ككل.

         حينما فكرت مؤسسة الكويت للتقدم العلمي بمخاطبة المجتمع العلمي العربي نفسه، درست عدداً من المجلات العلمية الرصينة التي تصدر في مختلف أنحاء العالم، واستقر رأيها على مجلة ساينتفك أمريكان. فهذه المجلة تتميز بعرضها المشوق للمواد العلمية المتقدمة في مختلف الحقول العلمية، وباستخدامها القيّم لمختلف وسائل الإيضاح من صور ملونة ورسوم وجداول. وتسعى منذ نشأتها إلى تمكين قارئها غير المختص من متابعة تطورات معارف عصره العلمية والتقانية، كما تُمكّن القارئ المختص من معرفة شمولية لموضوع تخصصه، علماً بأن كل مختص في حقلٍ من الحقول العلمية هو- في معظم الأحيان- قارئ غير مختص في الحقول الأخرى.

         وقد اشتهرت هذه المجلة (بمجلة الحائزين جوائز نوبل) لكثرة هؤلاء بين كتابها.

         وتتميز مجلة ساينتفك أمريكان أيضا بنهجها في تبسيط ما تعرضه من مواد علمية متقدمة وذلك من دون تفريط في المحتوى أو سلامة المبنى.

حول صوغ المصطلحات العلمية وتوحيدها

         لا ريب في أن من أهم المشكلات التي تواجه تعريب العلم المعاصر هي مشكلة المصطلحات العلمية، وتحديدا ما يلي:

         - عدم توافر المصطلحات العلمية اللازمة لمواكبة الركب العلمي والتقاني.

         - اختلاف الكثير مما هو متوافر من المصطلحات العلمية بين قطر عربي وآخر، وأحيانا بين مترجم وآخر.

         - عدم الالتزام بمنهجيات موحدة لصوغ المصطلحات العلمية

         - تضحية البعض في صوغهم للمصطلحات العلمية بوظيفة أساسية للّغة بغية أن تكون مصطلحاتهم عربية المنشأ، فجاءت هذه في معظم الحالات معقدة وغير عملية. فالإسراف في الحذر قد يقلل من إسهاماتنا العلمية...

         وفي سعيها الحثيث تنطلق مجلة العلوم مما حث عليه صاحب السمو أمير دولة الكويت ورئيس مجلس إدارة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي الشيخ جابر الأحمد الصباح، بقوله:

         (إذا تخلفنا عن ركب العلم، أصبحنا معزولين عن بناء الحياة).

         وتتطلع المجلة إلى مواصلة هذه المسيرة والارتقاء إلى الطموحات المرغوبة، غير أن نجاحها يعتمد أساساً على إسهام ذوي الاختصاص والاطلاع العلمي؛ كما تأمل أن تزداد فيها مع الوقت نسبة المادة المؤلفة بالعربية، والتي تعرض التطورات العلمية في الوطن العربي وما يجري في مراكزه العلمية وما ينتج منها.