ملتقيات العربي

ندوة المجلات الثقافية ودورها في الإصلاح الثقافي

حصاد مراكز البحث العلمي

حصاد مراكز البحث العلمي في الدول العربية
ماذا أنفقت؟ وماذا قدمت؟
وهل هناك إنجاز علمي يمكن التحدث عنه؟
د. ميثاء سالم الشامسي

         تدل الدراسات على وجود منظومة عربية غير مهملة للعلم والتكنولوجيا فهناك ما يزيد على 175 جامعة في الوطن العربي، ويزيد عدد الأساتذة في مجالات العلم والتكنولوجيا على 50 ألف أستاذ، أما عدد الخريجين الجامعيين فيقارب العشرة ملايين منهم ما يزيد على 700 ألف مهندس، ويصرف العالم العربي سنوياً ما يزيد على سبعة بلايين دولار على التعليم العالي.

         من جهة ثانية توجد أكثر من ألف وحدة بحث وتطوير من مختلف الأحجام يعمل فيها حوالي 19 ألف باحث.

         من جهة ثالثة توجد العديد من الشركات الصناعية الكبرى في مجالات البترول والبتروكيميائيات والصناعات الصيدلانية والكابلات الكهربائية والصناعات الغذائية وتجميع السيارات والأجهزة المنزلية وغيرها. وتدل الدراسات أيضاً على أن العالم العربي قد استثمر بين عام 1980 و 1997 ما يزيد على 2500 بليون دولار في تشكيل رأس المال الثابت الإجمالي.

         إلا أن إحصائيات السنوات الخمس الماضية قد دلت على أنه تم نشر ما يقرب من 305 ملايين ورقة بحث علمية وتكنولوجية فى جميع أنحاء العالم كان نصيب دول الإتحاد الأوربي منها 37% والولايات المتحدة 34% وأسيا الباسفيك 21% والهند 20% وإسرائيل 10% بينما اكتفت أكثر من 22 دولة عربية بنشر أقل من 1% من مجموع ما نشر من أوراق. وكذلك المنظومة العربية للعلم والتكنولوجيا وهذا الاستثمار الكبير في الأصول الثابتة لم يؤد في هذه الفترة إلى زيادة في دخل الفرد على مدار العالم العربي بل على العكس فقد انخفض هذا المؤشر في العديد من الدول العربية.

         وعلى ما سبق عرضه فإن هذه الدراسة تهدف إلى عمل دراسة تحليلية لواقع البحث العلمى فى الدول العربية ثم عمل توصيات وآليات تنفيذيه لتفعيل وتطوير التعاون البحثي بين الجامعات ومراكز البحث العلمى وقطاع الصناعة.

         تجتمع الدول العربية حول قضايا اقتصادية واجتماعية أساسية بعضها نابع من العوامل الطبيعية كشح المياه، والتصحر، وتردي قطاع الزراعة، وما يتبع ذلك من استيراد جزء كبير من المواد الغذائية اللازمة لتلبية الاحتياجات الوطنية، والبعض الآخر نابع من التزايد السكاني الذي أدى الى ارتفاع معدلات الفقر وضعف الخدمات التعليمية والصحية وتفاقم البطالة.

         إن المؤسسات البحثية الرئيسية التي أنشئت في الدول العربية هي عبارة عن مؤسسات بحثية رئيسية مركزية تناط بها أهداف عامة وأغراض واسعة النطاق. وغالباً ما يعاني القائمون على هذه المؤسسات من قصور التعاون والاندماج مع القطاعات الإنتاجية بالدولة.

         وفي بعض الحالات قد لا تكون إدارة مؤسسات البحث العلمي والتطوير قادرة على الحساب الدقيق لعوائد بعض الأنشطة العلمية الفردية التي يتم تنفيذها في مؤسساتهم، إلا إذا أدركت أن الاتفاق على أنشطة البحث والتطوير قد يساعدها في البقاء والنمو.

         ففي أغلب الدول المتقدمة تعمل مؤسسات البحث والتطوير على متابعة أنشطة البحث والتطوير الصناعي التي تعتمد بشكل أساسي على الاختراعات والابتكارات التكنولوجية كترجمة وتحويل المعلومات والمعارف الناتجة عن علم إلى منتجات وعمليات مفيدة. ومن التجربة العملية، فإن معظم الدول المتقدمة صناعياً، قد تعلمت أن تننظر إلى البحث العلمي والتطوير على أنه سلسلة متصلة ومستمرة من العمليات التي تتراوح بين مراقبة الجودة والخدمات العامة على أدنى حد، إلى الدراسات والأبحاث الاستكشافية بالحد الأعلى. وحين يتم العمل على كافة هذه المستويات وبشكل كامل، يحدث عندها التكامل والتدفق السلس والقوي والمتفاعل من الأفكار والمساهمات بين الحدين الأعلى والأدنى من مستويات البحث والتطوير.

         أما في الدول العربية فإن أنشطة البحث والتطوير التي تم إنشاؤها وتنظيمها تحت مظلة أجهزة ومؤسسات صناعة سياسات العلوم والتكنولوجيا بأن دورها يكون محدودا بشكل كبير لأنها تواجه مجموعة محدودة نسبياً من مشاكل السياسة. فإنها لا تتحمل حجماً كبيراً من المهام المتعلقة بتعميم وبناء وصياغة السياسة بكاملها أو بشكلها العام والمتعلقة بشكل رئيسي بتخصيص الموارد المالية لمختلف أنواع وأنشطة البحث العلمي والفني التي يتم القيام بها في المؤسسات القائمة. وكذلك إن نطاق مسئوليتها عن السياسة محدود بشكل واضح، فهي تعني فقط الجزء الخاص بتخصيص الموارد اللازمة للبحث والتطوير التي ستتخصص بها.

         ولمحاولة تقييم مؤسسات البحث والتطوير يجب أولاً إيجاد المؤشرات التي يمكن الأخذ بها في عملية التقييم. ومن المؤشرات المقترحة (منظمة اليونسكو) ما يلي:

  1. نسبة الإنفاق على برامج البحث العلمي والتطوير من الناتج القومي.

  2. النشر العلمي والتنوع في المجالات البحثية.

  3. براءات الاختراع.

  4. إعداد العاملين بالبحث العلمي.

  5. إعداد دورات تدريبية ودورات تعليمية (تعلم نقل المعرفة التكنولوجية).

         وبمقارنة مؤشرات الدعم المالي للبحث العلمي في الوطن العربي نجد أنه مما هو مؤسف أن ما ينفقه الباحث العربي على البحث العلمي لا يتجاوز الـ 24 دولار سنوياًَ في حين أن القيم تصل إلى 124 دولارًا في الدول الصناعية و 110 دولارات في إسرائيل.

         ويمكن القول بأن الدول التي تنفق أقل من 1% من ناتجها القومي يكون البحث العلمي لديها ضعيف جداً ولا يرقى إلى مستوى تطوير القطاعات الإنتاجية.

         أما مجموعة الدول التي تقع ما بين 1-2% من ناتجها القومي فيكون البحث العلمي لديها في وضع القبول.

         أما بالنسبة للمجموعة التي تنفق أكثر من 2% من ناتجها القومي يكون البحث العلمي متميزاً ومتقدماً بدرجة بالغة وفي مستوى مناسب لتطوير قطاعات الإنتاج وعلى إيجاد تقنيات جديدة.

         وفي كل الدول العربية مازالت الحكومة هي المصدر الأساسي للإنفاق على البحث العلمي. و يلاحظ ضعف مشاركة القطاع الخاص في الإنفاق على البحث والتطوير. حيث لم تتعد نسبة مشاركتهم في التمويل 2.8% من مجمل الإنفاق على الأبحاث في سنة 1996.

         وإذا ما قورنت نسبة الإنفاق على البحث العلمي في مصر على سبيل المثال كإحدى الدول الرائدة في الوطن العربي مع المتوسطات العالميه نجد أنها تصل إلى حوالي 1% تقريباً وهى أقل بكثير من المتوسط العام للإنفاق على البحث العلمي في العالم والذي تصل نسبته إلى حوالي 1.62%. و متوسط نصيب الفرد من الإنفاق على البحث العلمي في مصر يبلغ حوالي 17 جنيها للفرد سنويا ( أقل من 3 دولارات). ونجد أن نسبة الإنفاق الحكومي على البحث العلمي في مصر تصل إلى 91% بينما تصل في اليابان الى 18% ثم كنداً 30.1% تليها السويد وسنغافورة %31.4 ثم تليها الولايات المتحدة 35.7% وتشير هذه النسب إلى وجود ارتباط عكسي بين التقدم العلمي والتكنولوجي وبين نسبة الإنفاق الحكومي على البحث العلمي.

         وبالرغم من أن الوطن العربي يحتوى في مجمله أكثر من 200 جامعة حكومية وأهلية وخاصة و10 ملايين خريج ويضم حوالي مائة ألف مؤسسة استشارية وبيت خبرة، غير أن مردود البحث العلمي بها لا يقارن بدول مثل ماليزيا و الصين.

         لا تتغير أولويات البحث العلمي في الوطن العربي مع تغير معطيات التطور والتغير الصناعي والتكنولوجي في المنطقة والعالم. وكثير من الأبحاث وبرامج الدراسات العليا التي نراها تناقش أو تنشر محلياً تعالج مواضيع تقليدية وربما بائدة ليس لها عائد مباشر على عملية التطوير بالمنطقة.

         ولغياب الجهة المسئولة عن تحديد هذه الأولويات قام أخيراً مجموعة من الباحثين من مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية بدراسة ميدانية مطولة لتحديد أولويات البحث العلمي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وقد خلصت الدراسة إلى تحديد عدد 150 من الموضوعات العامة اعتبرتها من أولويات البحث العلمي المشترك عالية الأهمية بدول المجلس في المجالات الأربعة عشر وهى الاجتماع، الاقتصاد ، البناء والتشييد والعمارة والتخطيط ، البيئة، التربية والتعليم، التنوع الإحيائي والتقنية الحيوية، الصحة العامة، الطاقة، العلوم الزراعية، مصادر المياه، الموارد البشرية والمعلوماتية، النفط والغاز، النقل والسلامة، الصناعة.

         لذا ينبغي عند رسم سياسات أو استراتيجيات البحث والتطوير الأخذ في الاعتبار ما يلي:

  1. أن ترسم السياسات بشكل رسمي تطبق على أرض الواقع ويلتزم بها.

  2. أن تعتمد على منهجيات تفاعلية لكي تساهم كل الجهات المعنية بالعلم والتكنولوجيا بالمشاركة.

  3. أن تنعكس على متخذي القرارات الاقتصادية والتخطيطية.

  4. أن تراعى التنسيق بين سياسات العلوم والتكنولوجيا من ناحية وسياسات واستراتيجيات القطاعات الأخرى من ناحية أخرى.

         وعليه فإن الأخذ بهذه الآليات ومعالجة أسباب فقدانها في الوطن العربي قد يساعد على التوجه بالاقتصاد العربي نحو الاقتصاد المبني على المعرفة بشكل تدريجي.